فصل: بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ:

(فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ: التَّحْرِيمَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَّك فَكَبِّرْ} وَالْمُرَادُ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ (وَالْقِيَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (وَالْقِرَاءَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} (وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (وَالْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ) «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ: إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ قَرَأَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ.
قَالَ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ سُنَّةٌ) أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ وَفِيهَا وَاجِبَاتٌ: كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَضَمِّ السُّورَةِ إلَيْهَا، وَمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ، وَالْقَعْدَةِ الْأُولَى، وَقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، وَالْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ، وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، وَالْجَهْرِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَالْمُخَافَتَةِ فِيمَا يُخَافَتُ فِيهِ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً فِي الْكِتَابِ لِمَا أَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالسُّنَّةِ.
الشرح:
بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ: إذَا قُلْت هَذَا، أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، قَالَ: «أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي، فَحَدَّثَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ، فَذَكَرَ مِثْلَ دُعَاءِ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ: إذَا قُلْت هَذَا، أَوْ قَضَيْت هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِهِ هُنَا عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ هُنَاكَ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَامِ، هَلْ هُوَ فَرْضٌ أَوْ لَا، قَبْلَ مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ الْمُلَائِيُّ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَا: ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ بِهِ، فَذَكَرَ التَّشَهُّدَ بِحُرُوفِهِ، وَفِي آخِرِهِ «فَإِذَا قُلْت هَذَا، فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك، إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ» انْتَهَى.
قَالَ (وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) لِمَا تَلَوْنَا، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، حَتَّى إنَّ مَنْ تَحَرَّمَ لِلْفَرْضِ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ، بِهِ التَّطَوُّعَ عِنْدَنَا، وَهُوَ يَقُولُ: إنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْرَطُ لِسَائِرِ الْأَرْكَانِ، وَهَذَا آيَةُ الرُّكْنِيَّةِ، وَلَنَا أَنَّهُ عَطَفَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} وَمُقْتَضَاهُ الْمُغَايَرَةُ، وَلِهَذَا لَا يَتَكَرَّرُ كَتَكْرَارِ الْأَرْكَانِ وَمُرَاعَاةُ الشَّرَائِطِ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْقِيَامِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ صَدُوقٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْض أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَسَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهُوَ مُقَارَبُ الْحَدِيثِ، وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ. انتهى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ»، الْحَدِيثَ، قَالَ: وَهَذَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُرْسَلٌ. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ طَرِيفِ بْنِ شِهَابٍ أَبِي سُفْيَانَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ أَجْوَدُ إسْنَادًا، أَوْ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ. انتهى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَشْهَرُ إسْنَادًا، لَكِنَّ الشَّيْخَيْنِ أَعْرَضَا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَقِيلٍ أَصْلًا. انتهى.
وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَأَعَلَّهُ بِأَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ قَالَ: وَحَدِيثُ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَصَحُّ مِنْ هَذَا، عَلَى أَنَّ فِي الْآخَرِ لِينًا. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ الْوَاقِدِيُّ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مِسْكِينٍ قَاضِي الْمَدِينَةِ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ بِهِ، وَأَعَلَّهُ بِابْنِ مِسْكِينٍ، وَقَالَ: إنَّهُ يَسْرِقُ، وَيَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى يُوسُفَ السُّلَمِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ.
(وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ، وَهُوَ سُنَّةٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهِ، وَهَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ، لِأَنَّ فِعْلَهُ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ.
(وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْفَعُ إلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجِنَازَةِ.
لَهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ».
وَلَنَا رِوَايَةُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» وَلِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ، وَهُوَ بِمَا قُلْنَاهُ، وَمَا رَوَاهُ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ (وَالْمَرْأَةُ تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا) هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى رَفْعِ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ.
قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ فِي أَحَادِيثِ صِفَةِ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ»، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا بِتَمَامِهِ، أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا مُسْلِمًا.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ. انتهى.
حَدِيثٌ فِي الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ ثَنَا فُلَيْحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: «اشْتَكَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَوْ غَابَ، فَصَلَّى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ افْتَتَحَ، وَحِينَ رَكَعَ، وَبَعْدَ أَنْ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، وَحِينَ سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ، وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قِيلَ لَهُ: قَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى صَلَاتِك، فَقَالَ مَا أُبَالِي، إنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا يُصَلِّي» انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبَيْهَقِيُّ إخْرَاجَ الْحَدِيثِ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَلَفْظُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: «صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، وَحِين سَجَدَ، وَحِينَ رَفَعَ وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي» انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: أَنَّهُ جَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ افْتَتَحَ، وَحِينَ رَكَعَ، وَبَعْدَ أَنْ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. انتهى.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابٌ يُكَبِّرُ، وَهُوَ يَنْهَضُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ».
قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا مِنْ حَدِيثِ «مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ، فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: وَلِمَ؟ فَوَاَللَّهِ مَا كُنْت بِأَكْثَرِنَا لَهُ تَبَعَةً، وَلَا أَقْدَمِنَا لَهُ صُحْبَةً، قَالَ: بَلَى، قَالُوا: فَاعْرِضْ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبَّرُ حَتَّى يَقِرَّ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَقْرَأُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ، فَلَا يَصُبُّ رَأْسَهُ وَلَا يُقْنِعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَهْوِي إلَى الْأَرْضِ، فَيُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَيُثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَيَقْعُدَ عَلَيْهَا، وَيَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ إذَا سَجَدَ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْفَعُ، وَيُثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَيَقْعُدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إلَى مَوْضِعِهِ، ثُمَّ يَصْنَعُ فِي الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ، حَتَّى إذَا كَانَتْ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، قَالُوا: صَدَقْت، هَكَذَا كَانَ يُصَلِّي» انْتَهَى.
أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، وَضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ بِمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَفِي الْجُلُوسِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ:
مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَبَعْدَمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ» انْتَهَى.
قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: إنَّمَا كَانَ رَفْعُهُمْ الْأَيْدِي إلَى الْمَنَاكِبِ لِعِلَّةِ الْبَرْدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ لَمَّا رَوَى الرَّفْعَ إلَى الْأُذُنَيْنِ، قَالَ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَعَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ، فَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَنَاكِبِ، قَالَ: فَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ الْمَنَاكِبِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ، وَتَتَّفِقُ الْآثَارُ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: رَوَى وَائِلُ، وَالْبَرَاءُ، وَأَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَا أُذُنَيْهِ».
قُلْت: أَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ وَمَوْلًى لَهُمْ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِيهِ «وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ، وَصَفَّهُمَا حِيَالَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ، بَيَّنَ كَفَّيْهِ» انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ، فَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى تَكُونَ إبْهَامَاهُ حِذَا أُذُنَيْهِ» انْتَهَى زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالدَّارَقُطْنِيّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْعَطَّارِ ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ حَتَّى اسْتَقَرَّ كُلُّ مِفْصَلٍ مِنْهُ، وَانْحَطَّ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى سَبَقَتْ رُكْبَتَاهُ يَدَيْهِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. انتهى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَفْصٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك»، إلَى آخِرِهَا، وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا.
(فَإِنْ قَالَ بَدَلَ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى،وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ، أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّوْقِيفُ، وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: إدْخَالُ الْأَلْفِ وَاللَّامِ فِيهِ أَبْلَغُ فِي الثَّنَاءِ فَقَامَ مَقَامَهُ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلًا فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى الْمَعْنَى، وَلَهُمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ التَّعْظِيمُ لُغَةً وَهُوَ حَاصِلٌ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِقَوْلِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْقُولُ.
قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ» انْتَهَى.
وَطُولَهُ فِي بَابِ وَصْفِ الصَّلَاةِ، فَرَوَاهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَرَكَعَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ، فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُقْنِعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَاعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ يَهْوِي إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا، ثُمَّ: قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إبْطَيْهِ، وَفَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ هَوَى سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ وَقَعَدَ، وَاعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عُضْوٍ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ نَهَضَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ صَنَعَ كَذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَقْعُدُ مُتَوَرِّكًا، ثُمَّ يُسَلِّمُ» انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيُنْظَرُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ ابْنَ الْجَوْزِيِّ عَزَاهُ فِي التَّحْقِيقِ إلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا حَجَّاجٌ ثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: وَعَلَيْك السَّلَامُ، ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّهُ لَا يَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيُكَبِّرُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ»، انْتَهَى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ لَكِنْ بِلَفْظِ: «ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ، فِي الْأَوَّلِ»، وَقَالُوا فِي الْبَاقِي: «ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ»، وَهَذَا عَكْسُ لَفْظِ الطَّبَرَانِيِّ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الْمِصِّيصِيِّ وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النُّعْمَانِ الْفَرَّاءُ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ الثُّمَالِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلَا تُخَالِفْ آذَانَكُمْ، ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَإِنْ لَمْ تَزِيدُوا عَلَى التَّكْبِيرِ أَجَزَاكُمْ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْقُرَشِيُّ ثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ ثَنَا أَبِي عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي}»، إلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَصَحَّحَ الْبَزَّارُ إسْنَادَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَتَعْيِينُ لَفْظِ: اللَّهُ أَكْبَرُ فِي الِافْتِتَاحِ شَيْءٌ عَزِيزٌ فِي الْحَدِيثِ لَا يَكَادُ يُوجَدُ حَتَّى إنَّ ابْنَ حَزْمٍ أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ مَا عُرِفَ قَطُّ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْبَزَّارِ الْمَذْكُورَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا نَحْوَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ. وَالطَّبَرَانِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ».
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاعْدِلُوا صُفُوفَكُمْ، وَأَقِيمُوهَا، وَسُدُّوا الْفُرَجَ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، فَإِذَا قَالَ إمَامُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَإِنَّ خَيْرَ صُفُوفِ الرِّجَالِ الْمُقَدَّمُ، وَشَرَّهَا الْمُؤَخَّرُ، وَخَيْرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُؤَخَّرُ، وَشَرَّهَا الْمُقَدَّمُ» مُخْتَصَرٌ.
(فَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالْفَارِسِيَّةِ، أَوْ قَرَأَ فِيهَا بِالْفَارِسِيَّةِ، أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ، وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِي الذَّبِيحَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ) أَمَّا الْكَلَامُ فِي الِافْتِتَاحِ فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ، لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ لَهَا مِنْ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا.
وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْقِرَاءَةِ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْعَجْزِ يُكْتَفَى بِالْمَعْنَى كَالْإِيمَاءِ، بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ الذِّكْرَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذِهِ اللُّغَةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَجْزِ، إلَّا مُسِيئًا لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ، وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ، هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا تَلَوْنَا، وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ، وَالْخِلَافُ فِي الِاعْتِدَادِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا فَسَادَ،وَيُرْوَى رُجُوعُهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَى قَوْلِهِمَا، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَالْخُطْبَةُ وَالتَّشَهُّدُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ التَّعَارُفُ.
(وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِاللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا يَجُوزُ) لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا، وَلَوْ افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ فَقَدْ قِيلَ: يُجْزِئُهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ أَمِّنَّا بِخَيْرٍ، فَكَانَ سُؤَالًا.
قَالَ: (وَيَعْتَمِدُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى تَحْتَ السُّرَّةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِرْسَالِ، وَعَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَضْعِ عَلَى الصَّدْرِ، لِأَنَّ الْوَضْعَ تَحْتَ السُّرَّةِ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ الِاعْتِمَادُ سُنَّةُ الْقِيَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى لَا يُرْسِلَ حَالَةَ الثَّنَاءِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ يُعْتَمَدُ فِيهِ، وَمَا لَا فَلَا، هُوَ الصَّحِيحُ، فَيَعْتَمِدُ فِي حَالَةِ الْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ».
قُلْت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ زَيْدٍ السُّوَائِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ. انتهى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُوجَدُ فِي غَالِبِ نُسَخِ أَبِي دَاوُد، إنَّمَا وَجَدْنَاهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ دَاسَةَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْزُهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ إلَيْهِ، وَلَا ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَلَمْ يَعْزُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى إلَّا لِمُسْنَدِ أَحْمَدَ فَقَطْ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَمْ يَعْزُهُ إلَّا لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ عَزَاهُ لِأَبِي دَاوُد إلَّا عَبْدَ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَزْوِ عَلَى عَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَعَقَّبَهُ مِنْ جِهَةِ التَّضْعِيفِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ فِيهِ ابْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَزِيَادُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا لَا يُعْرَفُ، وَلَيْسَ بِالْأَعْسَمِ. انتهى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَتِهِ فِي سُنَنِهِمَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: لَا يَثْبُتُ إسْنَادُهُ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَاسِطِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاقَ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ. انتهى.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ السُّنَّةِ يَدْخُلُ فِي الْمَرْفُوعِ عِنْدَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي: وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ السُّنَّةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ إذَا أَطْلَقَهَا غَيْرُهُ مَا لَمْ يُضِفْ إلَى صَاحِبِهَا، كَقَوْلِهِمْ: سُنَّةُ الْعُمَرَيْنِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ «وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، قَالَ: صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ» انْتَهَى.
لَمْ يَذْكُرْ النَّوَوِيُّ فِي الْبَابِ غَيْرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ.
أَحَادِيثُ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَأْمُرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا أَعْلَمُهُ إلَّا يُنْمَى ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَصَفَّهُمَا حِيَالَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى»، مُخْتَصَرٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ سَمِعْت أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى» انْتَهَى.
وَفِي إسْنَادِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ فِيهِ لِينٌ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: ضَعِيفٌ وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُمْسِكَ بِأَيْمَانِنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ» انْتَهَى.
وَطَلْحَةُ هَذَا، قَالَ فِيهِ أَحْمَدُ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْنُ عَدِيٍّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ النَّضْرِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَأَبُو زُرْعَةَ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. انتهى.
(ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، إلَى آخِرِهِ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَضُمُّ إلَيْهِ قَوْلَهُ: إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ.
وَلَهُمَا رِوَايَةُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَقَرَأَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ» وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ، وَقَوْلُهُ: «وَجَلَّ ثَنَاؤُك» لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَشَاهِيرِ فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِتَتَّصِلَ النِّيَّةُ بِهِ، هُوَ الصَّحِيحُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ بَيْنَ قَوْلِهِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِك، إلَى آخِرِهِ، وَقَوْلِهِ: وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ»
قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ فُلَيْحِ الْمَكِّيُّ ثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك {إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}» انْتَهَى.
وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، نَقَلَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ تَضْعِيفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ يُقَلِّبُ الْأَسَانِيدَ وَالْمُتُونَ، وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ وَالْمَوْقُوفَاتِ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ ثَنَا ابْنُ نَاجِيَةَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِمْصِيُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَجَّهْت وَجْهِي، إلَى آخِرِهَا».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَقَدْ رُوِيَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، مَرَّةً عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَمَرَّةً عَنْ جَابِرٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. انتهى.
وَوَجَدْت فِي كِتَابِ الْعِلَلِ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلَ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ أُبَيًّا عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَامِعِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ بَيْنَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَبَيْنَ وَجَّهْت وَجْهِي»، إلَى آخِرِهِمَا، قَالَ إِسْحَاقُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ، فَقَالَ أُبَيٍّ: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ، أَرَى أَنَّ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْقَاسِمِ الْمَدَائِنِيِّ، وَقَدْ كَانَ خَرَجَ إلَى مِصْرَ، فَسَمِعَ مِنْ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ إلَى الْمَدَائِنِ، فَسَمِعَ مِنْهُ النَّاسُ، وَكَانَ يُوصَلُ الْمَرَاسِيلَ، وَيَضَعُ لَهَا أَسَانِيدَ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى مِصْرَ فَكَتَبَ كُتُبَ اللَّيْثِ هُنَاكَ، ثُمَّ قَدِمَ بِهَا بَغْدَادَ، فَعَارَضُوا بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ، فَبَانَ لَهُمْ أَنَّ أَحَادِيثَ خَالِدٍ مُفْتَعَلَةٌ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثَ عَلِيٍّ مُنْفَرِدًا بِقَوْلِهِ: وَجَّهْت وَجْهِي، فَقَطْ، أَخْرَجَهُ فِي التَّهَجُّدِ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ،إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ»، الْحَدِيثَ، وَهُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ: كَانَ إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، قَالَ: وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ، وَجَهِلَ بَعْضُ النَّاسِ، فَفَهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَضُمُّ إلَيْهِ «قَوْلَهُ: وَجَّهْت وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ لِرِوَايَةِ عَلِيٍّ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. انتهى.
أَنَّهُ أَرَادَ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ: «وَجَّهْت وَجْهِي» فَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ عَلِيٍّ، وَهَذَا فَهْمٌ فَاسِدٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ الْجَمْعَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ أَعْنِي قَوْلَهُ: «وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي» إلَى آخِرِهِ: «وَسُبْحَانَك اللَّهُمَّ، إلَى آخِرِهِ»، يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ اللَّفْظِ، مَعَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ لَمْ يَسْتَدِلَّ لِلْقَائِلِينَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ إلَّا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَبِحَدِيثِ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك»، مِنْ رِوَايَةِ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ: فَلَمَّا جَاءَتْ الرِّوَايَةُ بِهَذَا اسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ أَنْ يَقُولَهُمَا الْمُصَلِّي جَمِيعًا. انتهى.
وَكَأَنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي الْجَمْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، وَقَرَأَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، إلَى آخِرِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا».
قُلْت: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْأَسْوَدِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك» انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. انتهى.
وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَسْوَدُ، قَالَ الْمَرْوَزِيِّ: سُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَأَحَادِيثُهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: ضَعِيفٌ جِدًّا يَتَكَلَّمُونَ فِي حَدِيثِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ انْتَهَى: وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ سَمِعْت أَبِي، وَذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَأَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى حَذْوِ أُذُنَيْهِ»، فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ لَا بَأْسَ بِهِ، كَتَبْت عَنْهُ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي الدُّعَاءِ، وَهُوَ مُجَلَّدٌ لَطِيفٌ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ أَنَسُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ ثَنَا أَبُو الْإِصْبَعِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى ثَنَا مَخْلَدٍ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَائِذِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك» انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى رَحْمَوَيْهِ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى الشَّيْبَانِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك» انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك ثُمَّ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلَاثًا، أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ، ثُمَّ يَقْرَأُ»، انْتَهَى.
بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَلَفْظُ النَّسَائِيّ، وَابْنِ مَاجَهْ،قَالَ: «كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك» انْتَهَى.
لَمْ يَقُولَا فِيهِ: ثُمَّ يَقُولُ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الْحَدِيثُ يَقُولُونَ: هُوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، الْوَهْمُ مِنْ جَعْفَرٍ. انتهى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إسْنَادِهِ، كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَتَكَلَّمُ فِي عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ. انتهى.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ هَذَا هُوَ ابْنُ نِجَادِ بْنِ رِفَاعَةَ الْبَصْرِيُّ، كُنْيَتُهُ أَبُو إسْمَاعِيلَ، وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ بُدَيْلُ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك».
قَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، لَمْ يَرْوِهِ إلَّا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، وَقَدْ رَوَى قِصَّةَ الصَّلَاةِ جَمَاعَةٌ عَنْ بُدَيْلُ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا. انتهى.
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ سَوَاءٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَحَارِثَةُ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ، مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. انتهى.
وَبِالْإِسْنَادَيْنِ أَعْنِي سَنَدَ أَبِي دَاوُد، وَسَنَدَ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَا أَحْفَظُ فِي قَوْلِهِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك فِي الصَّلَاةِ أَصَحَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: وَقَدْ أَسْنَدَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عُمَرَ، وَلَا يَصِحُّ. انتهى.
وَالْعَجَبُ مِنْ شَيْخِنَا عَلَاءِ الدِّينِ كَيْفَ عَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِلْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ فَقَطْ، وَهُوَ فِي السُّنَنِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَكَمْ يُقَلِّدُ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ هَذَا بِجِيمٍ، وَزَايٍ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيُّ، يَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَهُوَ يَشْتَبِهُ بِأَبِي الْحَوْرَاءِ بِمُهْمَلَتَيْنِ رَبِيعَةَ بْنِ شَيْبَانُ، يَرْوِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدَةَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي لُبَابَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَه غَيْرُك. انتهى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَعَبْدَةُ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عُمَرَ، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: إنَّهُ رَأَى عُمَرَ رُؤْيَةً. انتهى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: صَحِيحِهِ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مَعَ غَيْرِهِ. انتهى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْعِلَلِ: وَقَدْ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَالَفَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ، فَرَوَاهُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ، قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا فِرْدَوْسُ الْأَشْعَرِيُّ ثَنَا مَسْعُودُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْت الْحَكَمَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، إلَى آخِرِهِ».
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الْمِصِّيصِيِّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَا: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النُّعْمَانِ الْفَرَّاءُ الْمِصِّيصِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا: إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلَا تُخَالِفْ آذَانَكُمْ، ثُمَّ قُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك، وَإِنْ لَمْ تَزِيدُوا عَلَى التَّكْبِيرِ أَجْزَاكُمْ» انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ التَّكْبِيرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ وَاثِلَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ نَحْوَهُ، سَوَاءٌ.
(وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأَتْ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ} مَعْنَاهُ إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ، وَيَقْرَبُ مِنْهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ، ثُمَّ التَّعَوُّذُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ دُونَ الثَّنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَا تَلَوْنَا، حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْمَسْبُوقُ دُونَ الْمُقْتَدِي، وَيُؤَخَّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
الشرح:
وَأَمَّا الِاسْتِعَاذَةُ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ عِنْدَنَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، وَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، انْتَهَى.
قُلْت: وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةَ بِـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}» انْتَهَى الْحَدِيثُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وَلَمْ يَسْكُت» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَيْضًا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ ب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} انْتَهَى.
قَالَ: (وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) هَكَذَا نُقِلَ فِي الْمَشَاهِيرِ (وَيُسِرُّ بِهِ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ، وَذَكَرَ مِنْهَا التَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ وَآمِينَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَهَرَ فِي صَلَاتِهِ بِالتَّسْمِيَةِ».
قُلْنَا: مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْلِيمِ، لِأَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ لَا يَجْهَرُ بِهَا، ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ كَالتَّعَوُّذِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا احْتِيَاطًا، وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: نُقِلَ فِي الْمَشَاهِيرِ قِرَاءَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَسَيَأْتِي.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ: بِـ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ، وَأَبُو خَالِدٍ، قِيلَ: هُوَ الْوَالِبِي الْكُوفِيُّ، وَاسْمُهُ هُرْمُزُ، وَيُقَالُ: هَرِمٌ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْكُنَى أَبُو خَالِدٍ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، سَمِعْت أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ، وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الَّذِي رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ رَوَى عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، لَا أَعْرِفُهُ، كَذَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْكُنَى تَرْجَمَةَ أَبِي خَالِدٍ هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْأَسْمَاءِ تَرْجَمَةَ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، وَسَمَّاهُ هُرْمُزَ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي إسْمَاعِيلَ: حَدِيثُهُ ضَعِيفٌ، وَيَحْكِيهِ عَنْ مَجْهُولٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ النَّضْرِ الْقُرَشِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَرْوِيه غَيْرُ مُعْتَمِرٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَأَبُو خَالِدٍ مَجْهُولٌ. انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي صَلَاتِهِ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادٌ عَلَوِيٌّ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ: هَذَا إسْنَادٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَسُلَيْمَانُ هَذَا لَا أَعْرِفُهُ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّهَا آيَةً»، انْتَهَى.
ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ، وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْجَهْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ يَبْدَأُ: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُوهُ ضَعِيفَانِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَالِحٍ الْأَحْمَرِ عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْبِرَك بِآيَةٍ، أَوْ بِسُورَةٍ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍّ بَعْدَ سُلَيْمَانَ غَيْرِي، فَمَشَى، وَتَبِعْتُهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَأَخْرَجَ رِجْلَهُ وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى، فَقُلْت: أَنَسِيَ؟ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: بِأَيِّ شَيْءٍ يُفْتَتَحُ الْقُرْآنُ إذَا افْتَتَحَتْ الصَّلَاةَ؟ قُلْت: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ: هِيَ هِيَ، ثُمَّ خَرَجَ» انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَمَّا سَلَمَةُ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ، فَقَالَ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى: لَيْسَا بِشَيْءٍ، قَالَ النَّسَائِيُّ: وَيَزِيدُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ: فَذَكَرَ مِنْهَا: التَّعَوُّذَ، وَالتَّسْمِيَةَ، وَآمِينَ، وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَبِمَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ ثَنَا أَبُو وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُخْفِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالِاسْتِعَاذَةَ، وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ. انتهى.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ: التَّعَوُّذَ، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَسُبْحَانَك اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِك، وَآمِينَ. انتهى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنِّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ حَمَّادٍ بِهِ بِذِكْرِهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ عِوَضَ قَوْلِهِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ، وَاَللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: خَمْسٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ، فَذَكَرهَا، وَزَادَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك.
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ فِي صَلَاتِهِ بِالتَّسْمِيَةِ».
قُلْت: فِيهِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ.
وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ مِنْ الصَّلَاةِ مَا لَا أُحْصِيهَا: الصُّبْحَ، وَالْمَغْرِبَ، فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا، وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِي بِصَلَاةِ أَبِي: قَالَ أَبِي: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِي بِصَلَاةِ أَنَسٍ، وَقَالَ أَنَسٌ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَمَّ النَّاسَ جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَبَيَانُ عِلَلِهَا، وَجَمِيعِ طُرُقِهَا، مُسْتَوْفًى، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ: رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِمَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا. انتهى.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالُوا فِيهِ: فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ: وَيَجْهَرُونَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ أَيْضًا: فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ: وَكَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَرِجَالُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ جَمْعٌ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَالْمَذَاهِبُ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ: طَرَفَانِ، وَوَسَطٌ، فَالطَّرَفُ الْأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ، إلَّا فِي سُورَةِ النَّمْلِ، كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ مُدَّعِيًا أَنَّهُ مَذْهَبُهُ، أَوْ نَاقِلًا لِذَلِكَ رِوَايَةً عَنْهُ.
وَالطَّرَفُ الثَّانِي الْمُقَابِلُ لَهُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، أَوْ بَعْضُ آيَةٍ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ، وَإِنَّمَا يُسْتَفْتَحُ بِهَا فِي السُّوَرِ تَبَرُّكًا بِهَا، وَالْقَوْلُ الْوَسَطُ: إنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ، وَإِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ السُّوَرِ، بَلْ كُتِبَتْ آيَةً فِي كُلِّ سُورَةٍ، وَكَذَلِكَ تُتْلَى آيَةً مُفْرَدَةً فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، كَمَا تَلَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَغْفَى إغْفَاءَةً، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ آنِفًا، ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ} إلَى آخِرِهَا»، وَكَمَا فِي «قَوْلِهِ: إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ،هِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}»، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَدَاوُد، وَأَتْبَاعِهِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّهُ مُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ فِي هَذَا الْقَوْلِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَكِتَابَتُهَا سَطْرًا مُفَصَّلًا عَنْ السُّورَةِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يَعْرِفُ انْقِضَاءَ السُّورَةِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ لِأَصْحَابِ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْفَاتِحَةِ قَوْلَانِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا، تَجِبُ قِرَاءَتُهَا حَيْثُ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ.
وَالثَّانِي- وَهُوَ الْأَصَحُّ-: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ قِرَاءَتَهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ كَقِرَاءَتِهَا فِي أَوَّلِ السُّوَرِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ، وَحِينَئِذٍ الْأَقْوَالُ فِي قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْفَاتِحَةِ، كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ سِرًّا وَجَهْرًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا جَائِزَةٌ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، ثُمَّ مَعَ قِرَاءَتِهَا هَلْ يُسَنُّ الْجَهْرُ بِهَا أَوْ لَا؟
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: يُسَنُّ الْجَهْرُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ.
وَالثَّانِي: لَا يُسَنُّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالرَّأْيِ، وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَابْنِ حَزْمٍ، وَكَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِالْجَهْرِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، قَالَ: وَيَسُوغُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَفْضَلَ لِأَجْلِ تَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، خَوْفًا مِنْ التَّنْفِيرِ، كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاءَ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ لِكَوْنِ قُرَيْشٍ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدِ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَخَشِيَ تَنْفِيرَهُمْ بِذَلِكَ، وَرَأَى تَقْدِيمَ مَصْلَحَةِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمَّا أَنْكَرَ الرَّبِيعُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ إكْمَالَهُ الصَّلَاةَ خَلْفَ عُثْمَان، قَالَ: الْخِلَافُ شَرٌّ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَفِي وَصْلِ الْوِتْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا فِيهِ الْعُدُولُ عَنْ الْأَفْضَلِ إلَى الْجَائِزِ الْمَفْضُولِ مُرَاعَاةً لِائْتِلَافِ الْمَأْمُومِينَ أَوْ لِتَعْرِيفِهِمْ السُّنَّةَ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ.
هَذَا تَحْرِيرُ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ اعْتَمَدَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَتِهَا، وَكَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ بِكِتَابَةِ الصَّحَابَةِ لَهَا فِي الْمُصْحَفِ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَهَذَا أَقْوَى الْأَدِلَّةِ فِيهِ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ جَرَّدُوا الْقُرْآنَ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ، وَاَلَّذِينَ نَازَعُوهُمْ دَفَعُوا هَذِهِ الْحُجَّةَ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَالُوا: إنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَاطِعٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا قَاطِعًا لَكَفَرَ مُخَالِفُهُ، وَقَدْ سَلَكَ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَغَيْرُهُ هَذَا الْمَسْلَكَ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ بِخَطَإِ الشَّافِعِيِّ فِي جَعْلِهِ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، مُعْتَمِدِينَ عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْقُرْآنِ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ، وَلَا تَوَاتُرَ هَاهُنَا، فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِنَفْيِ كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ مُقَابَلَةٌ بِمِثْلِهَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: بَلْ يُقْطَعُ بِكَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ، كَمَا قَطَعْتُمْ بِنَفْيِ كَوْنِهَا مِنْهُ، وَمِثْلُ هَذَا النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ قُرْآنٌ، فَإِنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ آيَةِ وَآيَةٍ يَرْفَعُ الثِّقَةَ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ الْمَكْتُوبِ بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامَ اللَّهِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ كَتَبُوا الْمَصَاحِفَ نَقَلُوا إلَيْنَا أَنَّ مَا كَتَبُوهُ بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْتُبُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ، فَإِنْ قَالَ الْمُنَازِعُ: إنْ قَطَعْتُمْ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ فَكَفِّرُوا النَّافِيَ، قِيلَ لَهُمْ: هَذَا مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، إذَا قَطَعْتُمْ بِنَفْيِ كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَكَفِّرُوا مُنَازِعَكُمْ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى نَفْيِ التَّكْفِيرِ فِي هَذَا الْبَابِ، مَعَ دَعْوَى كَثِيرٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ الْقَطْعَ بِمَذْهَبِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ قَطْعِيًّا عِنْدَ شَخْصٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا ادَّعَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ عِنْدَهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَطِيعًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ،بَلْ قَدْ يَقَعُ الْغَلَطُ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي الْقَطْعَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْقَطْعِ، كَمَا يَغْلَطُ فِي سَمِعَهُ، وَفَهْمِهِ، وَنَقْلِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِ، بَلْ كَمَا يَغْلَطُ الْحِسُّ الظَّاهِرُ فِي مَوَاضِعَ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: الْأَقْوَالُ فِي كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ: طَرَفَانِ وَوَسَطٌ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَلَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ هُوَ الْقَوْلُ الْوَسَطُ، وَهُوَ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ حَيْثُ كُتِبَتْ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السُّوَرِ، بَلْ تُكْتَبُ قَبْلَ السُّورَةِ، وَتُقْرَأُ كَمَا قَرَأَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ، فِي قَوْلِهِ: فَجَاءَهُ الْمَلَكُ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ»: اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ آيَةً فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ لِكَوْنِهَا لَمْ تُذْكَرْ هُنَا، قَالَ: وَأُجِيبُ عَنْهُ: أَنَّ الْبَسْمَلَةَ أُنْزِلَتْ فِي وَقْتٍ آخَرَ، كَمَا نَزَلَ بَاقِي السُّورَةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ. انتهى.
وَحُجَّةُ الْخُصُومِ الْمَانِعِينَ مِنْ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ أَحَادِيثُ: أَقْوَاهَا حَدِيثُ أَنَسٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ،قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا. انتهى.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَقَالُوا فِيهِ: وَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ: وَيَجْهَرُونَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ: فَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي لَفْظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمَةِ، وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ، وَالطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: فَكَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَرِجَالُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ طُرُقٌ أُخْرَى دُونَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ، وَفِيهَا مَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ، وَكُلُّ أَلْفَاظِهِ تَرْجِعُ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَهِيَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ: فَالْأَوَّلُ: كَانُوا لَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَالثَّانِي: فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ أَوْ يَقْرَأُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَالثَّالِثُ: فَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَالرَّابِعُ: فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَالْخَامِسُ: فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَالسَّادِسُ: فَكَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَالسَّابِعُ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقُرْآنَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْخَطِيبُ، وَضَعَّفَ مَا سِوَاهُ لِرِوَايَةِ الْحُفَّاظِ لَهُ عَنْ قَتَادَةَ، وَلِمُتَابَعَةِ غَيْرِ قَتَادَةَ لَهُ عَنْ أَنَسٍ فِيهِ، وَجَعَلَهُ اللَّفْظَ الْمُحْكَمَ عَنْ أَنَسٍ، وَجَعَلَ غَيْرَهُ مُتَشَابِهًا، وَحَمَلَهُ عَلَى الِافْتِتَاحِ بِالسُّورَةِ لَا بِالْآيَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْأَلْفَاظِ الْمُنَافِيَةِ بِوَجْهٍ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ مُنَاقِضًا لَهَا؟، فَإِنَّ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ الِافْتِتَاحُ بِالْآيَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ جَهْرًا أَوْ سِرًّا، فَكَيْفَ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ؟، وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا»، لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْجَهْرِ، لِأَنَّ أَنَسًا إنَّمَا يَنْفِي مَا يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِانْتِفَائِهِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ مَعَ الْقُرْبِ عُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْهَرُوا، وَأَمَّا كَوْنُ الْإِمَامِ لَمْ يَقْرَأْهَا فَهَذَا لَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ سُكُوتٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ سِرًّا، وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا عَلَى عَدَمِ قِرَاءَتِهَا مَنْ لَمْ يَرَ هُنَا سُكُوتًا كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ أَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، إلَى آخِرِهِ».
وَفِي السُّنَنِ عَنْ سَمُرَةَ، وَأُبَيُّ، وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ كَانَ يَسْكُتُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيذُ، وَإِذَا كَانَ لَهُ سُكُوتٌ لَمْ يُمْكِنْ أَنَسًا أَنْ يَنْفِيَ قِرَاءَتَهَا فِي ذَلِكَ السُّكُوتِ، فَيَكُونُ نَفْيُهُ لِلذِّكْرِ، وَالِاسْتِفْتَاحِ، وَالسَّمَاعِ، مُرَادًا بِهِ الْجَهْرَ بِذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ، وَقَوْلُهُ: فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ، وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِلْقِرَاءَةِ سِرًّا، وَلَا عَلَى نَفْيِهَا، إذْ لَا عِلْمَ لِأَنَسٍ بِهَا حَتَّى يُثْبِتَهَا أَوْ يَنْفِيَهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ: إنَّك لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْقِرَاءَةِ السَّرِيَّةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِخْبَارٍ أَوْ سَمَاعٍ عَنْ قُرْبٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ مِنْهُمَا، وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى: فَكَانُوا يُسِرُّونَ كَأَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ بِالْمَعْنَى مِنْ لَفْظِ لَا يَجْهَرُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَيْضًا فَحَمْلُ الِافْتِتَاحِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى السُّورَةِ لَا الْآيَةِ مِمَّا تَسْتَبْعِدُهُ الْقَرِيحَةُ وَتَمُجُّهُ الْأَفْهَامُ الصَّحِيحَةُ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعِلْمِ الظَّاهِرِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ، كَمَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْفَجْرَ رَكْعَتَانِ وَأَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعٌ، وَأَنَّ الرُّكُوعَ قَبْلَ السُّجُودِ وَالتَّشَهُّدَ بَعْدَ الْجُلُوسِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِي نَقْلِ مِثْلِ هَذَا فَائِدَةٌ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ أَنَسًا قَصَدَ تَعْرِيفَهُمْ بِهَذَا، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا مِثْلُ هَذَا مِثْلُ مَنْ يَقُولُ: فَكَانُوا يَرْكَعُونَ قَبْلَ السُّجُودِ، أَوْ فَكَانُوا يَجْهَرُونَ فِي الْعِشَاءَيْنِ وَالْفَجْرِ، وَيُخَافِتُونَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَيْضًا فَلَوْ أُرِيدَ الِافْتِتَاحُ بِسُورَةِ الْحَمْدِ لَقِيلَ: كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، أَوْ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي تَسْمِيَتِهَا عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِالْحَمْدِ فَقَطْ فَعُرِفَ مُتَأَخِّرًا، يَقُولُونَ: فُلَانٌ قَرَأَ الْحَمْدَ وَأَيْنَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ السُّورَةَ، إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَأَنَّى لِلْمُخَالِفِ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ الِاسْتِفْتَاحَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ السُّورَةِ، قُلْنَا: هَذَا مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى، وَالصَّحِيحُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ ذَلِكَ، هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَاطِفًا لَهُ عَلَى حَدِيثِ قَتَادَةَ وَهَذَا اللَّفْظُ الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحِ هُوَ الثَّابِتُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّفْظُ الْآخَرُ: إنْ كَانَ مَحْفُوظًا، فَهُوَ مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الِافْتِتَاحِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَعَامَةَ الْحَنَفِيِّ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ ثَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: «سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إيَّاكَ وَالْحَدَثَ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَبْغَضَ إلَيْهِ الْحَدَثُ فِي الْإِسْلَامِ يَعْنِي مِنْهُ، قَالَ: وَصَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَ عُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا، فَلَا تَقُلْهَا أَنْتَ، إذَا صَلَّيْت فَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَغَيْرُهُمْ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ لَا يَرَوْنَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ. انتهى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقَدْ ضَعَّفَ الْحُفَّاظُ هَذَا الْحَدِيثَ، أَنْكَرُوا عَلَى التِّرْمِذِيِّ تَحْسِينَهُ، كَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْخَطِيبِ، وَقَالُوا: إنَّ مَدَارَهُ عَلَى ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالُوا: «كَانَ أَبُونَا إذَا سَمِعَ أَحَدًا مِنَّا يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَقُولُ: أَيْ بُنَيَّ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَرِيفِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ إمَامٍ، فَجَهَرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ.
قُلْت: مَا هَذَا؟ غُيِّبَ عَنَّا هَذِهِ الَّتِي أَرَاك تَجْهَرُ بِهَا؟ فَإِنِّي قَدْ صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَلَمْ يَجْهَرُوا بِهَا»
انْتَهَى.
فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهُمْ: أَبُو نَعَامَةَ الْحَنَفِيُّ، قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ،وَغَيْرُهُ،وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَمَاهُ بِبِدْعَةٍ فِي دِينِهِ وَلَا كَذِبٍ فِي رِوَايَتِهِ،وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، وَهُوَ أَشْهَرُ مَنْ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ،وَأَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ، وَهُوَ إنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ بِهِ مَا تَابَعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّى ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَزِيدَ، كَمَا هُوَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَقَطْ، فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَبَنُوهُ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُمْ: يَزِيدُ، وَزِيَادٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَغَيْرُهُمَا يَحْتَجُّونَ بِمِثْلِ هَؤُلَاءِ، مَعَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَشْهُورِينَ بِالرِّوَايَةِ، وَلَمْ يَرْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَدِيثًا مُنْكَرًا لَيْسَ لَهُ شَاهِدٌ وَلَا مُتَابِعٌ حَتَّى يُجَرَّحَ بِسَبَبِهِ، وَإِنَّمَا رَوَوْا مَا رَوَاهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الثِّقَاتِ.
فَأَمَّا يَزِيدُ فَهُوَ الَّذِي سُمِّيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا مُحَمَّدٌ، فَرَوَى لَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ إمَامٍ يَبِيتُ غَاشًّا لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»، وَزِيَادٌ أَيْضًا رَوَى لَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: «لَا تَحْذِفُوا، فَإِنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ، وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَلَكِنَّهُ يَكْسِرُ السِّنَّ وَيَفْقَأُ الْعَيْنَ» انْتَهَى.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَقْسَامِ الصَّحِيحِ، فَلَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ يُحْتَجُّ بِهِ، لَا سِيَّمَا إذَا تَعَدَّدَتْ شَوَاهِدُهُ وَكَثُرَتْ مُتَابَعَاتُهُ، وَاَلَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَتَرَكُوا الِاحْتِجَاجَ بِهِ لِجَهَالَةِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَدْ احْتَجُّوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، بَلْ احْتَجَّ الْخَطِيبُ بِمَا يَعْلَمُ هُوَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَلَمْ يُحْسِنْ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَضْعِيفِ هَذَا الْحَدِيثِ، إذْ قَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَعَامَةَ بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَمَتْنِ السُّنَنِ: هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو نَعَامَةَ قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ، وَأَبُو نَعَامَةَ، وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، فَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِمَا صَاحِبَا الصَّحِيحِ، فَقَوْلُهُ: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو نَعَامَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَوْلُهُ: وَأَبُو نَعَامَةَ، وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِمَا صَاحِبَا الصَّحِيحِ، لَيْسَ هَذَا لَازِمًا فِي صِحَّةِ الْإِسْنَادِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا، فَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ حَسَنٌ، وَالْحَسَنُ يُحْتَجُّ بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْجَهْرِ عِنْدَهُمْ كَانَ مِيرَاثًا عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَارَثُهُ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ، وَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةَ دَائِمَةٌ صَبَاحًا وَمَسَاءً، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُجْهَرُ بِهَا دَائِمًا لَمَا وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَلَا اشْتِبَاهٌ، وَلَكَانَ مَعْلُومًا بِالِاضْطِرَارِ، وَلَمَا قَالَ أَنَسٌ: لَمْ يَجْهَرْ بِهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَلَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ ذَلِكَ أَيْضًا، وَسَمَّاهُ حَدَثًا، وَلَمَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي مِحْرَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَامِهِ عَلَى تَرْكِ الْجَهْرِ، يَتَوَرَّثُهُ آخِرُهُمْ عَنْ أَوَّلِهِمْ، وَذَلِكَ جَارٍ عِنْدَهُمْ مَجْرَى الصَّاعِ وَالْمُدِّ، بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، لِاشْتِرَاكِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَكَمْ مِنْ إنْسَانٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى صَاعٍ وَلَا مُدٍّ، وَمَنْ يَحْتَاجُهُ يَمْكُثُ مُدَّةً لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَظُنُّ عَاقِلٌ أَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَأَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ بُدَيْلُ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» انْتَهَى.
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى إرَادَةِ اسْمِ السُّورَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ السُّورَةَ كَانَتْ تُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَظَاهِرِهِ إلَى مَجَازِهِ، إلَّا بِدَلِيلٍ، وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عَائِشَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَجْهَرُ، قُلْنَا: يَكْفِينَا أَنَّهُ حَدِيثٌ أَوْدَعَهُ مُسْلِمٌ صَحِيحَهُ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ اسْمُهُ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيُّ ثِقَةٌ كَبِيرٌ لَا يُنْكَرُ سَمَاعُهُ مِنْ عَائِشَةَ، وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَبُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ، مُجْمَعٌ عَلَى عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ الْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ، وَتَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ الْجَهْرِ فَكَذِبَ بِلَا شَكٍّ، فِيهِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، وَهُوَ كَذَّابٌ دَجَّالٌ، لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَمِنْ الْعَجَبِ الْقَدَحُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَالِاحْتِجَاجُ بِالْبَاطِلِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ آيَةً مِنْ السُّورَةِ فَلَا يُجْهَرُ بِهَا، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: «كُنْت أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت أُصَلِّي، فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ}، ثُمَّ قَالَ: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً فِي الْقُرْآنِ.
قُلْت: مَا هِيَ؟ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ»
، فَأَخْبَرَ أَنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَلَوْ كَانَتْ الْبَسْمَلَةُ آيَةً مِنْهَا لَكَانَتْ ثَمَانِيًا، لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ بِدُونِ الْبَسْمَلَةِ، وَمَنْ جَعَلَ الْبَسْمَلَةَ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَقُولَ: هِيَ بَعْضُ آيَةٍ،أَوْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ} إلَى آخِرِهَا، آيَةً وَاحِدَةً.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ السُّورَةِ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ، وَعَبَّاسٌ الْجُشَمِيُّ، يُقَالُ: إنَّهُ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْنَا، وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ ثَلَاثُونَ آيَةً بِدُونِ الْبَسْمَلَةِ، بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعَادِّينَ، وَأَيْضًا فَافْتِتَاحُهُ بِقَوْلِهِ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْهَا.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ ثَنَا الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «مَا جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ» انْتَهَى.
وَهَذَا حَدِيثٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، لَكِنَّهُ شَاهِدٌ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ، وَالْحَضْرَمِيُّ: هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ بِمُطَيِّنٍ، وَشَيْخُهُ ابْنُ الْعَلَاءِ: هُوَ أَبُو كُرَيْبٌ الْحَافِظُ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ مُسْتَدْرِكًا عَلَى الْخَطِيبِ، قَالَ: وَقَدْ أَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَآخَرُونَ، وَلِلْقَائِلِينَ بِالْجَهْرِ أَحَادِيثُ: أَجْوَدُهَا حَدِيثُ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، قَالَ: «صَلَّيْت وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، حَتَّى قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قَالَ: آمِينَ، وَفِي آخِرِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ، فَقَالَ: بَابُ الْجَهْرِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكِيمِ ثَنَا شُعَيْبٌ ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَهُ شَوَاهِدُ، وَقَالَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، مُجْمَعٌ عَلَى عَدَالَتِهِمْ، مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ. انتهى.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهِ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْبَسْمَلَةِ فِيهِ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُمْ ثَمَانُمِائَةٍ مَا بَيْنَ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ، وَلَا يَثْبُتُ عَنْ ثِقَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، صَاحِبَا الصَّحِيحِ، فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا، فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الِاثْنَتَيْنِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بِنَحْوِ ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الثَّابِتُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَأَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ فِي رَفْعِهِ وَخَفْضِهِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.
مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ كَانَ يَفْعَلُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ، كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا، وَكَانَ يَقِفُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ هُنَيْهَةً، وَكَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ»، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ كَذَلِكَ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ.
وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَسَعِيدُ بْنُ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيُّ صَدُوقٌ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قَوْلِ أَبِي الْفَتْحِ الْأَزْدِيِّ فِيهِ: ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْأَزْدِيَّ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَالنَّسَائِيُّ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلتَّسْمِيَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ذِكْرٌ، وَهَذَا مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ وَهْمٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَاهَا نُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، بَلْ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْبَلُ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْبَلُهَا، وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهَا تُقْبَلُ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ، فَتُقْبَلُ إذَا كَانَ الرَّاوِي الَّذِي رَوَاهَا ثِقَةً حَافِظًا ثَبْتًا، وَاَلَّذِي لَمْ يَذْكُرْهَا مِثْلُهُ، أَوْ دُونَهُ فِي الثِّقَةِ، كَمَا قَبِلَ النَّاسُ زِيَادَةَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، قَوْلَهُ: «مِنْ الْمُسْلِمِينَ»، فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَاحْتَجَّ بِهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَتُقْبَلُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لِقَرَائِنَ تَخُصُّهَا، وَمِنْ حَكَمَ فِي ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا فَقَدْ غَلِطَ، بَلْ كُلُّ زِيَادَةٍ لَهَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا، فَفِي مَوْضِعٍ يُجْزَمُ بِصِحَّتِهَا، كَزِيَادَةِ مَالِكٍ، وَفِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهَا، كَزِيَادَةِ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ فِي حَدِيثِ: «جُعِلَتْ الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا»، وَكَزِيَادَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا»، وَفِي مَوْضِعٍ يَجْزِمُ بِالزِّيَادَةِ، كَزِيَادَةِ مَعْمَرَ، وَمَنْ وَافَقَهُ، قَوْلُهُ: «وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ»، وَكَزِيَادَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ ذَكَرَ الْبَسْمَلَةَ فِي حَدِيثِ «قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ»، وَإِنْ كَانَ مَعْمَرُ ثِقَةً، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ضَعِيفًا، فَإِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَغْلَطُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ خَطَؤُهَا، كَزِيَادَةِ مَعْمَرٍ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَسُئِلَ هَلْ رَوَاهَا غَيْرُ مَعْمَرٍ؟ فَقَالَ: لَا وَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَقَالَ فِيهِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرٍ فِي ذَلِكَ، وَالرَّاوِي عَنْ مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَفِي مَوْضِعٍ يَتَوَقَّفُ فِي الزِّيَادَةِ، كَمَا فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، وَزِيَادَةُ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ التَّسْمِيَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يُتَوَقَّفُ فِيهِ، بَلْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ ضَعْفُهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ قَالَ بِالْجَهْرِ، لِأَنَّهُ قَالَ: فَقَرَأَ، أَوْ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قِرَاءَتهَا سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَإِنَّمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَسَرَّ بِالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ جَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ، لَمْ يُعَبَّرْ عَنْ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ مُتَنَاوِلَةٍ لِلْفَاتِحَةِ وَالْبَسْمَلَةِ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، وَلَقَالَ: فَأَسَرَّ بِالْبَسْمَلَةِ، ثُمَّ جَهَرَ بِالْفَاتِحَةِ وَالصَّلَاةُ كَانَتْ جَهْرِيَّةً بِدَلِيلِ تَأْمِينِهِ، وَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِينَ، قُلْنَا: لَيْسَ لِلْجَهْرِ فِيهِ تَصْرِيحٌ وَلَا ظَاهِرٌ يُوجِبُ الْحُجَّةَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَدَّمُ عَلَى النَّصِّ الصَّرِيحِ الْمُقْتَضِي لِلْإِسْرَارِ، وَلَوْ أُخِذَ الْجَهْرُ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ لَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: فَقَرَأَ، أَوْ قَالَ، لَيْسَ بِصَرِيحٍ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْبَرَ نُعَيْمًا بِأَنَّهُ قَرَأَهَا سِرًّا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهَا مِنْهُ فِي مُخَافَتَةٍ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِفْتَاحِ، وَأَلْفَاظِ الذِّكْرِ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، فَلِمُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ «إذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ: وَجَّهْت وَجْهِي، إلَى آخِرِهَا، وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت، وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِذَا تَشَهَّدَ، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، إلَى آخِرِهِ» وَلَمْ يَكُنْ سَمَاعُ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ مِنْهُ دَلِيلًا عَلَى الْجَهْرِ، وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَأَيْضًا فَلَوْ سَاغَ التَّمَسُّكُ عَلَى الْجَهْرِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: فَقَرَأَ، لَسَاغَ لِمَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَمْ يَسْكُتْ»، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَيْسَتْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَقَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ كَمَا قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَاَلَّذِينَ اسْتَحَبُّوا الْجَهْرَ بِهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، اسْتَحَبُّوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الثَّانِيَةِ، فَلَمَّا انْتَفَى بِهَذَا أَنْ يَكُونَ قَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ قَرَأَهَا فِي الْأُولَى، وَعَارَضَ هَذَا حَدِيثَ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى لِاسْتِقَامَةِ طَرِيقِهِ، وَفَضْلِ صِحَّتِهِ عَلَى حَدِيثِ نُعَيْمٍ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ الِاسْتِفْتَاحَ بِالسُّورَةِ لَا بِالْآيَةِ، قُلْنَا: هَذَا فِيهِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ، وَذَلِكَ لَا يَسُوغُ إلَّا لِمُوجِبٍ، وَأَيْضًا فَلَوْ أَرَادَ اسْمَ السُّورَةِ لَقَالَ: بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
أَوْ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، أَوْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي تَسْمِيَتِهَا عِنْدَهُمْ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي» وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا بِجُمْلَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ اسْتِفْتَاحَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ دُونَ الْبَسْمَلَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ أَصْرَحُ دَلَالَةً مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَصْلَ الصَّلَاةِ وَمَقَادِيرَهَا وَهَيْئَتَهَا، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ يَكْفِي فِي غَالِبِ الْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ، دُونَ الْبَسْمَلَةِ، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ثَابِتٌ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ مَقْصُودُهُ الرَّدَّ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ، فَفِي صِحَّتِهَا عَنْهُ نَظَرٌ، فَلْيَنْصَرِفْ إلَى الصَّحِيحِ الثَّابِتِ دُونَ غَيْرِهِ، وَمِمَّا يَلْزَمُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّشْبِيهِ عَنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ انْتَصَبَ قَائِمًا حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ مَكَثَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، فَهَذَا أَنَسٌ قَدْ أَخْبَرَ بِشَبَهِ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُطِيلُ رَكْعَتَيْ الِاعْتِدَالِ وَالْفَصْلِ إلَى غَايَةٍ يُظَنُّ بِهِ النِّسْيَانُ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَالشَّافِعِيَّةُ يَكْرَهُونَ إطَالَتَهُمَا، وَعِنْدَهُمْ وَجْهَانِ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهَا، فَهَلَّا كَانَ حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ إطَالَتِهِمَا مَعَ صِحَّتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، كَمَا كَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ وَالْجَهْرِ بِهَا، مَعَ عِلَّةِ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَأَيْضًا، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِالْجَهْرِ بِالتَّعَوُّذِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَوَى: أَخْبَرَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ رَافِعًا صَوْتَهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ إذَا فَرَغَ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ: رَبّنَا إنَّا نَعُوذُ بِك مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَهَلَّا أَخَذُوا بِهَذَا، كَمَا أَخَذُوا بِجَهْرِ الْبَسْمَلَةِ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ لَمْ تُزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ، وَكَيْفَ يُظَنُّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُرِيدُ التَّشْبِيهَ فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَّمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ: فَنِصْفُهَا لِي، وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ اللَّهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ اللَّهُ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَإِلَّا لَابْتَدَأَ بِهَا، لِأَنَّ هَذَا مَحِلُّ بَيَانٍ وَاسْتِقْصَاءٍ لِآيَاتِ السُّورَةِ، حَتَّى إنَّهُ لَمْ يُخِلَّ مِنْهُمَا بِحَرْفٍ، وَالْحَاجَةُ إلَى قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَمَسُّ لِيَرْتَفِعَ الْإِشْكَالُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ الْعَلَاءِ هَذَا قَاطِعُ تَعَلُّقِ الْمُتَنَازِعِينَ، وَهُوَ نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَلَا أَعْلَمُ حَدِيثًا فِي سُقُوطِ الْبَسْمَلَةِ أَبْيَنَ مِنْهُ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأَمْرٍ: أَحَدُهُمَا: قَالَ: لَا يُعْبَأُ بِكَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ، فَإِنَّ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ، فَقَالَ: النَّاسُ يَتَّقُونَ حَدِيثَهُ، لَيْسَ حَدِيثُهُ بِحُجَّةٍ، مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ بِذَاكَ، هُوَ ضَعِيفٌ، رُوِيَ عَنْهُ جَمِيعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَدْ انْفَرَدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ.
الثَّانِي: قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ ذِكْرُ التَّسْمِيَةِ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا أُمَّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَامٍّ، فَقُلْت: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إنِّي رُبَّمَا كُنْت مَعَ الْإِمَامِ، قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي، فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ: قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لَهُ، يَقُولُ عَبْدِي إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَيَذْكُرُنِي عَبْدِي، ثُمَّ يَقُولُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَأَقُولُ: حَمِدَنِي عَبْدِي إلَى آخِرِهِ»، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَعْفٌ، وَلَكِنَّهَا مُفَسِّرَةٌ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَرَادَ السُّورَةَ لَا الْآيَةَ، وَهَذَا الْقَائِلُ حَمَلَهُ الْجَهْلُ، وَفَرْطُ التَّعَصُّبِ عَلَى أَنْ تَرَكَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَضَعَّفَهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُوَافِقٍ لِمَذْهَبِهِ، وَقَالَ: لَا يُعْبَأُ بِكَوْنِهِ فِي مُسْلِمٍ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ الْعَلَاءِ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ، كَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَشُعْبَةَ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْعَلَاءُ نَفْسُهُ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، كَمَا سَيَأْتِي ثَنَاءُ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ انْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ ابْنُ سَمْعَانَ، وَهُوَ كَذَّابٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَا فِي الْمُصَنَّفَاتِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ الَّتِي يَرْوِي فِيهَا غَرَائِبَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ عَقِيبَةُ: وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ فِي عِلَلِهِ وَأَطَالَ فِيهِ الْكَلَامَ.
وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ الْعَلَاءِ جَمَاعَةٌ أَثْبَاتٌ يَزِيدُونَ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ الْبَسْمَلَةَ. وَزَادَهَا ابْنُ سَمْعَانَ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَحَسْبُك بِالْأَوَّلِ قَدْ أَوْدَعَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ بِعِلَّةٍ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّ الْعَلَاءَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ أَبِي السَّائِبِ، لِهَذَا يَجْمَعُهُمَا تَارَةً، وَيُفْرِدُ أَبَاهُ تَارَةً، وَيُفْرِدُ أَبَا السَّائِبِ تَارَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَزِيَادَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي حَدِيثِ الْعَلَاءِ بَاطِلَةٌ قَطْعًا، زَادَهَا ابْنُ سَمْعَانَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ كَذَّابًا.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فِيهِ: لَقَدْ كَذَبَ عَلَيَّ، وَحَدَّثَ عَنِّي بِأَحَادِيثَ لَمْ أُحَدِّثْهُ بِهَا، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَسُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، فَقَالَ: كَانَ كَذَّابًا، وَقِيلَ لِابْنِ إِسْحَاقَ: إنَّ ابْنَ سَمْعَانَ يَقُولُ: سَمِعْت مُجَاهِدًا، فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَنَا وَاَللَّهِ أَكْبَرُ مِنْهُ مَا رَأَيْت مُجَاهِدًا، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي عَمَّنْ لَمْ يَرَهُ، وَيُحَدِّثُ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، كَانَ مِنْ الْكَذَّابِينَ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: سَكَتُوا عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا شَيْءَ.
وَأَيْضًا، فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ كَانُوا أَعْلَمَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشَدَّ تَحَرِّيًا لَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الصَّحَابَةِ لَا يَرَوْنَ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ تَرْكَ الْجَهْرِ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ.
وَكَيْفَ يُعَلَّلُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ؟ وَهَلَّا جَعَلُوا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ عِلَّةً لِلضَّعِيفِ، وَمُخَالَفَةَ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ لِنُعَيْمٍ مُوجِبًا لِرَدِّهِ؟ إذْ مُقْتَضَى الْعِلْمِ أَنْ يُعَلَّلَ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، كَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ.
الْأَحَادِيثُ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْخَطِيبُ: فَمِنْهَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُوَيْسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَمَّ النَّاسَ جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ فَقَالَا فِيهِ: قَرَأَ عِوَضَ: جَهَرَ، وَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا عَنْ أَبِي أُوَيْسٍ، فَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، لِأَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، فَكَيْفَ إذَا انْفَرَدَ بِشَيْءٍ، وَخَالَفَهُ فِيهِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، فَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وَمُجَرَّدُ الْكَلَامِ فِي الرَّجُلِ لَا يُسْقِطُ حَدِيثَهُ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَذَهَبَ مُعْظَمُ السُّنَّةِ، إذْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ، بَلْ خُرِّجَ فِي الصَّحِيحِ لِخَلْقٍ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِمْ: وَمِنْهُمْ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، وَالْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ الْإِيَادِيُّ، وَأَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ الْحَبَشِيُّ،وَخَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ، وَسُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَدَثَانِيُّ وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَلَكِنْ صَاحِبَا الصَّحِيحِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا أَخْرَجَا لِمَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، فَإِنَّهُمْ يَنْتَقُونَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ، وَظَهَرَتْ شَوَاهِدُهُ، وَعُلِمَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا، وَلَا يَرْوُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، سِيَّمَا إذَا خَالَفَهُ الثِّقَاتُ، كَمَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ لِأَبِي أُوَيْسٍ حَدِيثَ: «قَسَّمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي» لِأَنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ، بَلْ رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَثْبَاتِ، كَمَالِكٍ وَشُعْبَةَ وَابْنِ عُيَيْنَةَ، فَصَارَ حَدِيثُهُ مُتَابَعَةً، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ رَاجَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ اسْتَدْرَكَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ فَتَسَاهَلُوا فِي اسْتِدْرَاكِهِمْ، وَمِنْ أَكْثَرِهِمْ تَسَاهُلًا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرَكِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، وَفِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الرَّاوِي مُحْتَجًّا بِهِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي أَيِّ حَدِيثٍ، كَانَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِهِ، لِمَا بَيَّنَّاهُ بَلْ الْحَاكِمُ كَثِيرًا مَا يَجِيءُ إلَى حَدِيثٍ لَمْ يُخَرَّجْ لِغَالِبِ رِوَايَتِهِ فِي الصَّحِيحِ، كَحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيَقُولُ فِيهِ: هَذَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ يَعْنِي لِكَوْنِ الْبُخَارِيِّ أَخْرَجَ لِعِكْرِمَةَ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ، وَكَثِيرًا مَا يُخَرِّجُ حَدِيثًا بَعْضُ رِجَالِهِ لِلْبُخَارِيِّ، وَبَعْضُهُمْ لِمُسْلِمٍ، فَيَقُولُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ، وَرُبَّمَا جَاءَ إلَى حَدِيثٍ فِيهِ رَجُلٌ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ عَنْ شَيْخٍ مُعَيَّنٍ لِضَبْطِهِ حَدِيثَهُ وَخُصُوصِيَّتِهِ بِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ عَنْ غَيْرِهِ لِضَعْفِهِ فِيهِ، أَوْ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ حَدِيثَهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَيُخَرِّجُهُ هُوَ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْخِ، ثُمَّ يَقُولُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، أَوْ الْبُخَارِيِّ، أَوْ مُسْلِمٍ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ، لِأَنَّ صَاحِبَيْ الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِهِ إلَّا فِي شَيْخٍ مُعَيَّنٍ، لَا فِي غَيْرِهِ، فَلَا يَكُونُ عَلَى شَرْطِهِمَا.
وَهَذَا كَمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى، فَإِنَّ خَالِدًا غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ فِي حَدِيثٍ يَرْوِيهِ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى: هَذَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ كَانَ مُتَسَاهِلًا، وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ إلَى حَدِيثٍ فِيهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ أَوْ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، وَغَالِبُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، فَيَقُولُ: هَذَا عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الْبُخَارِيِّ أَوْ مُسْلِمٍ، وَهَذَا أَيْضًا تَسَاهُلٌ فَاحِشٌ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كِتَابَهُ تَبَيَّنَ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي كِتَابِهِ الْعِلْمُ الْمَشْهُورُ: وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنْ يَتَحَفَّظُوا مِنْ قَوْلِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْغَلَطِ ظَاهِرُ السَّقْطِ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُ، وَقَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي أُوَيْسٍ هَذَا لَمْ يُتْرَكْ لِكَلَامِ النَّاسِ فِيهِ، بَلْ لِتَفَرُّدِهِ بِهِ، وَمُخَالَفَةِ الثِّقَاتِ لَهُ، وَعَدَمِ إخْرَاجِ أَصْحَابِ الْمَسَانِيدِ، وَالْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، وَالسُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ، وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبَسْمَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَّمَنِي جَبْرَائِيلُ الصَّلَاةَ، فَقَامَ فَكَبَّرَ لَنَا، ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِيمَا يَجْهَرُ بِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» انْتَهَى.
وَهَذَا إسْنَادٌ سَاقِطٌ، فَإِنَّ خَالِدَ بْنَ إلْيَاسَ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: رَوَى عَنْ الْمَقْبُرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةٍ، وَتَكَلَّمَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي: الْعِلَلِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَصَوَّبَ وَقْفَهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُكْرَمٍ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي نُوحُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا قَرَأْتُمْ الْحَمْدَ، فَاقْرَءُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ. وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، وَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَحَدُ آيَاتِهَا»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ: ثُمَّ لَقِيت نُوحًا فَحَدَّثَنِي عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِهِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ الْكُبْرَى: رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ، وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُضَعِّفُهُ، وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ، وَنُوحٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، انْتَهَى.
وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَهْرِ، وَلَئِنْ سَلِمَ فَالصَّوَابُ فِيهِ الْوَقْفُ، كَمَا هُوَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ نُوحُ بْنُ أَبِي بِلَالٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَاهُ الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا مَوْقُوفٌ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، إذْ لَا يَقُولُ الصَّحَابِيُّ: إنَّ الْبَسْمَلَةَ أَحَدُ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، أَوْ دَلِيلٍ قَوِيٍّ ظَهَرَ لَهُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهَا حُكْمُ سَائِرِ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ.
قُلْت: لَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا فَظَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَقَالَ: إنَّهَا إحْدَى آيَاتِهَا، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّ النِّزَاعَ وَقَعَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ لَهَا حُكْمَ سَائِرِ آيَاتِ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا وَسِرًّا.
وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهَا آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ قَبْلَ السُّورَةِ، وَلَيْسَتْ مِنْهَا، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ إحْدَى آيَاتِهَا، وَقِرَاءَتُهَا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى مَحِلِّ النِّزَاعِ، فَلَا يُعَارَضُ بِهِ أَدِلَّتُنَا الصَّحِيحَةُ الثَّابِتَةُ.
وَأَيْضًا فَالْمَحْفُوظُ الثَّابِتُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُ ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ»، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
هَذَا، مَعَ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَلَكِنْ وَثَّقَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَلَيْسَ تَضْعِيفُ مَنْ ضَعَّفَهُ مِمَّا يُوجِبُ رَدَّ حَدِيثِهِ، وَلَكِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَغْلَطُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلِطَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ الْخَطِيبُ: وَقَوْلُ الْخَصْمِ: إنَّ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ انْفَرَدَ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو هُرَيْرَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَلَهُ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ الْخَرَّازِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ الْمُؤَذِّنُ ثَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، لَا أَعْلَمُ فِي رُوَاتِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْجَرْحِ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَقَالَ: هَذَا خَبَرٌ وَاهٍ، كَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ، ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَسَعِيدٌ إنْ كَانَ الْكُرَيْزِيَّ فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولٌ. انتهى.
وَعَنْ الْحَاكِمِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، إلَّا أَنَّهُ أَمْثَلُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ.
قُلْت: وَفِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، قَالَ السَّعْدِيُّ: غَيْرُ ثِقَةٍ، رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَتَصْحِيحُ الْحَاكِمِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، سِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَدْ عُرِفَ تَسَاهُلُهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَلَعَلَّهُ أُدْخِلَ عَلَيْهِ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَسِيد بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ نَحْوَهُ، وَعَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، كِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، لَكِنْ عَمْرٌو أَضْعَفُ مِنْ جَابِرٍ، قَالَ الْحَاكِمُ: عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ كَثِيرُ الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ جَابِرٍ، وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ جَابِرٌ مَجْرُوحًا، فَلَيْسَ يَرْوِي تِلْكَ الْمَوْضُوعَاتِ الْفَاحِشَةَ عَنْهُ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ فِيهَا عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ زَائِغٌ كَذَّابٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْأَزْدِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ رَافِضِيًّا يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، وَكَانَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ، وَأَمَّا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، فَقَالَ فِيهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا رَأَيْت أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، مَا أَتَيْتُهُ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ إلَّا أَتَانِي فِيهِ بِأَثَرٍ، وَكَذَّبَهُ أَيْضًا أَيُّوبُ وَزَائِدَةُ وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَالْجُوزَجَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ، وَقَدْ احْتَمَلَهُ النَّاسُ، وَرَوَوْا عَنْهُ عَامَّةُ مَا جَرَّحُوا بِهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ، كَانَ يَقُولُ: إنَّ عَلِيًّا يَرْجِعُ إلَى الدُّنْيَا، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ. انتهى.
وَأُسَيْدُ بْنُ زَيْدٍ أَيْضًا كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا: ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَنَاكِيرَ، وَيَسْرِقُ الْحَدِيثَ، وَيُحَدِّثُ بِهِ.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي السُّورَتَيْنِ جَمِيعًا: الْفَاتِحَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا»، وَعِيسَى هَذَا وَالِدُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الْمُتَّهَمِ بِوَضْعِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، هُوَ وَضَّاعٌ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ: رَوَى عَنْ آبَائِهِ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَهُ ثَلَاثُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. انتهى.
قَالَ الْحَاكِمُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ، وَقَدْ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِسَالِمٍ هَذَا، وَهُوَ ابْنُ عَجْلَانَ الْأَفْطَسُ، وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِشَرِيكٍ. انتهى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ صَرِيحٍ، وَلَا صَحِيحٍ، فَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ صَرِيحٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ: فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ الْوَاقِعِيَّ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، قَالَهُ إمَامُ الصَّنْعَةِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ يَكْذِبُ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: أَحَادِيثُهُ مَقْلُوبَاتٌ، وَفِي قَوْلِ الْحَاكِمِ: احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِشَرِيكٍ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَى لَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ لَا فِي الْأُصُولِ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، وَهَذَا أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ أَبَا الصَّلْتِ مَتْرُوكٌ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدِي بِصَدُوقٍ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي عَنْهُ، وَأَمَّا أَبُو زُرْعَةَ فَإِنَّهُ ضَرَبَ عَلَى حَدِيثِهِ، وَقَالَ: لَا أُحَدِّثُ عَنْهُ، وَلَا أَرْضَاهُ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَافِضِيٌّ خَبِيثٌ، اُتُّهِمَ بِوَضْعِ الْإِيمَانُ إقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ. انتهى.
وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِمَّا سَرَقَهُ أَبُو الصَّلْتِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَلْزَقَهُ بِعَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَزَادَ فِيهِ: إنَّ الْجَهْرَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ غَيْرَ أَبِي الصَّلْتِ رَوَاهُ عَنْ عَبَّادٍ، فَأَرْسَلَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ الرَّحْمَنَ فَقَالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إلَى إلَهِ الْيَمَامَةِ، فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْفَاهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ» انْتَهَى.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ: أَنْبَأَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ أَنْبَأَ شَرِيكٌ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَهْزَءُونَ، مُكَاءً وَتَصْدِيَةً، وَيَقُولُونَ: يَذْكُرُ إلَهَ الْيَمَامَةِ يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ، وَيُسَمُّونَهُ الرَّحْمَنَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك}» الْآيَةَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَزَادَ فِيهِ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، قَالَ: فَخَفَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ الصَّابُونِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعُ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَزَأَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ، وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ يَذْكُرُ إلَهَ الْيَمَامَةِ»، إلَى آخِرِهِ، مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ جَهْرًا لَا فِي الْبَسْمَلَةِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَفٍ بِمَكَّة، كَانَ إذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِنْ سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك} أَيْ بِقِرَاءَتِك، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ، فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِك {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}»، وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ. انتهى.
وَلَهُ طَرِيقٌ رَابِعٌ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ ثَنَا إسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ» انْتَهَى.
قَالَ الْبَزَّارُ: وَإِسْمَاعِيلُ لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ، وَأَبُو خَالِدٍ أَحْسَبُهُ الْوَالِبِيَّ. انتهى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِهَذَا السَّنَدِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَكُلُّهُمْ قَالُوا فِيهِ: كَانَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَأَعَلَّهُ بِإِسْمَاعِيلَ هَذَا، وَقَالَ: حَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَيَرْوِيه عَنْ مَجْهُولٍ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ. انتهى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَأَبُوخَالِدٍ مَجْهُولٌ. انتهى.
وَأَبُو خَالِدٍ هَذَا سُئِلَ عَنْهُ أَبُو زُرْعَةَ، فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ، وَقِيلَ: هُوَ الْوَالِبِيُّ، وَاسْمُهُ هُرْمُزُ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْت إسْمَاعِيلَ بْنَ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي يَجْهَرُ بِهَا» انْتَهَى.
وَهَكَذَا رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّمَا هُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ مِنْ الرُّوَاةِ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ الْجَهْرِ، فَإِنَّمَا رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَلَهُ طَرِيقٌ خَامِسٌ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَتَّى قُبِضَ» انْتَهَى.
وَهَذَا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ حَفْصٍ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ لَهُ حَدِيثًا عَنْهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَيْتُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ» ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الْمَكِّيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَيْهِ. انتهى.
ثُمَّ ذَكَرَ الْخَطِيبُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ طُرُقًا أُخْرَى، لَيْسَتْ صَحِيحَةً، وَلَا صَرِيحَةً، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَتَوَجَّهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: الطَّعْنُ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ لَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، لَوْ سَلِمَتْ مِنْ الْمُعَارِضِ، فَكَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ؟ وَصِحَّةُ الْإِسْنَادِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثِقَةِ الرِّجَالِ، وَلَوْ فُرِضَ ثِقَةُ الرِّجَالِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ، حَتَّى يَنْتَفِيَ مِنْهُ الشُّذُوذُ وَالْعِلَّةُ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَتْنِهِ لَفْظُ الِاسْتِفْتَاحِ لَا لَفْظُ الْجَهْرِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: جَهَرَ، إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ مَرَّةً، لَأَنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا اسْتِمْرَارُهُ فَيَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَجْهَرُ بِهَا فَبَاطِلٌ، كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ دُوِّنَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قِرَاءَةُ الْأَعْرَابِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَيُقَوِّي هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ تِلْمِيذِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَعْرَابِيٌّ إنْ جَهَرْتُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ سَادِسٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رُشْدِ بْنِ خُثَيْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَيْثَمٍ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا فِيهِمَا. انتهى.
وَهَذَا أَيْضًا لَا يَصِحُّ، وَسَعِيدُ بْن خُثَيْمِ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ أَحْمَدَ بْنِ رُشْدِ بْنِ خُثَيْمِ، فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَلَهُ أَحَادِيثُ أَبَاطِيلُ، ذَكَرَهَا الطَّبَرَانِيُّ.
وَغَيْرُهُ، وَرَوَى لَهُ الْخَطِيبُ فِي أَوَّلِ تَارِيخِهِ حَدِيثًا مَوْضُوعًا، هُوَ الَّذِي صَنَعَهُ بِسَنَدِهِ إلَى الْعَبَّاسِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لَهُ: «أَنْتَ عَمِّي، وَصِنْوُ أَبِي، وَابْنُك هَذَا أَبُو الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي: مِنْهُمْ السَّفَّاحُ، وَمِنْهُمْ الْمَنْصُورُ، وَمِنْهُمْ الْمَهْدِيُّ»، مُخْتَصَرٌ، وَالرَّاوِي عَنْهُ هُوَ ابْنُ عُقْدَةَ الْحَافِظُ، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِيرِ، رَوَى فِي الْجَهْرِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً عَنْ ضُعَفَاءَ، وَكَذَّابِينَ وَمَجَاهِيلَ، وَالْحَمْلُ فِيهِمَا عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ ثَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» انْتَهَى.
وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَطُّ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو طَاهِرٍ الْهَاشِمِيُّ، وَقَدْ كَذَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ مَنْ رَوَى مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مِثْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ الثِّقَةِ الْمَشْهُورِ الْمُخَرَّجِ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا فِي رِوَايَتِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ شَيْخُ الدَّارَقُطْنِيِّ تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: هُوَ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ: سَأَلْت الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالَ عَنْهُ، فَقَالَ: ضَعِيفٌ، وَأَمَّا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَلَيْسَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَقَالَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الرامهرمزي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُحَدِّثِ الْفَاصِلِ حَدِيثًا مَوْضُوعًا لِأَحْمَدَ بْنِ عِيسَى، هُوَ الْمُتَّهَمُ بِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ الْوَادِعِيُّ ثَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْعَلَوِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي، قُلْنَا: مَنْ خُلَفَاؤُك؟ قَالَ: الَّذِينَ يَرْوُونَ أَحَادِيثِي وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ»، انْتَهَى.
وَأَبُو عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَضَّاعٌ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْخَطِيبِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ زِيَادٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي يُونُسَ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي السُّورَتَيْنِ فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، وَخَلْفَ عُمَرَ حَتَّى قُبِضَ، فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِهَا فِي السُّورَتَيْنِ، فَلَا أَدَعُ الْجَهْرَ بِهَا حَتَّى أَمُوتَ. انتهى.
وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ، وَعُبَادَةُ بْنُ زِيَادٍ الْأَسَدِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ الشِّيعَةِ، وَقَالَ الْحَافِظُ مُحَمَّدٌ النَّيْسَابُورِيُّ: هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى كَذِبِهِ، وَشَيْخُهُ يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيُّ فِيهِ مَقَالٌ، فَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ مَا لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الْأَثْبَاتِ، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ عِنْدِي بِمَا انْفَرَدَ بِهِ، وَمُسْلِمُ بْنُ حِبَّانَ فَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالصَّوَابُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ لِلْفَاتِحَةِ وَلِلسُّورَةِ، وَقَدْ يَجْهَرُ بِهَا أَحْيَانَا، أَوْ لِتَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ زِيَادٍ الضَّبِّيِّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّنِي جَبْرَائِيلُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» انْتَهَى.
وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، بَلْ مَوْضُوعٌ، وَيَعْقُوبُ بْنُ يُوسُفَ الضَّبِّيُّ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَقَدْ فَتَّشْت عَلَيْهِ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا أَصْلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا عَمِلَتْهُ يَدَاهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَسُكُوتُ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْخَطِيبِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ رِوَايَتِهِمْ لَهُ قَبِيحٌ جِدًّا، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا عَلَى فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، وَهُوَ تَقْصِيرٌ مِنْهُ، إذْ لَوْ نُسِبَ إلَيْهِ لَكَانَ حَدِيثًا حَسَنًا، وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ السَّعْدِيِّ فِيهِ: هُوَ زَائِغٌ غَيْرُ ثِقَةٍ، وَلَيْسَ هَذَا بِطَائِلٍ، فَإِنَّ فِطْرَ بْنَ خَلِيفَةَ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَابْنُ مَعِينٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْكُوفِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ الْحَمَّارُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبٍ ثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الطَّائِفِيُّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ وَكَانَ بَدْرِيًّا قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَصَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ» انْتَهَى.
وَهَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ الْمُنْكَرَةِ، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُمَيْرٍ لَيْسَ بَدْرِيًّا، وَلَا فِي الْبَدْرِيِّينَ أَحَدٌ اسْمُهُ الْحَكَمُ بْنُ عُمَيْرٍ، بَلْ لَا يُعْرَفُ لَهُ صُحْبَةٌ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ حَبِيبٍ الرَّاوِي عَنْهُ لَمْ يَلْقَ صَحَابِيَّا، بَلْ هُوَ مَجْهُولٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ: الْحَكَمُ بْنُ عُمَيْرٍ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً لَا تُذْكَرُ سَمَاعًا وَلَا لِقَاءً، رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، سَمِعْت أَبِي يَذْكُرُ ذَلِكَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ شَيْخٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ الْحَكَمَ بْنَ عُمَيْرٍ، وَقَالَ فِي نِسْبَتِهِ: الثُّمَالِيُّ، ثُمَّ رَوَى لَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مُنْكَرًا، وَكُلُّهَا مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْهُ وَرَوَى لَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ حَدِيثًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا هَذَا الْحَدِيثَ، وَالرَّاوِي عَنْ مُوسَى هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الصِّينِيُّ الْكُوفِيُّ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ صُنْعَهُ، فَإِنَّ الَّذِينَ رَوَوْا نُسْخَةَ مُوسَى عَنْ الْحَكَمِ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْحَدِيثَ فِيهَا، كَبَقِيَ بْنِ مَخْلَدٍ، وَابْنِ عَدِيٍّ، وَالطَّبَرَانِيِّ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ فِيمَا عَلِمْنَا الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْخَطِيبُ، وَوَهَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ: إبْرَاهِيمُ بْنُ حَبِيبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَتَبِعَهُ الْخَطِيبُ، وَزَادَ وَهْمًا ثَانِيًا، فَقَالَ: الضَّبِّيُّ بِالضَّادِ وَالْبَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ الصِّينِيُّ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَعَدَّهَا آيَةً {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} آيَتَيْنِ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثَلَاثَ آيَاتٍ، إلَى آخِرِه».
قَالَ الْحَاكِمُ: وَعُمَرُ بْنُ هَارُونَ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا أَخْرَجْته شَاهِدًا. انتهى.
وَهَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْجَهْرِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهَا سَمِعَتْهُ سِرًّا فِي بَيْتِهَا لِقُرْبِهَا مِنْهُ.
الثَّانِي: أَنَّ مَقْصُودَهَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ كَانَ يُرَتِّلُ قِرَاءَتَهُ حَرْفًا حَرْفًا، وَلَا يَسْرُدُهَا، وَقَدْ رَوَاهُ هُوَ أَعْنِي الْحَاكِمَ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَصَفَتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَرْفًا حَرْفًا، قِرَاءَةً بَطِيئَةً»، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَحْفُوظَ فِيهِ، وَالْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ: فِي الصَّلَاةِ زِيَادَةٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ، وَهُوَ مَجْرُوحٌ، تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَكَذَّبَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ: قَدِمَ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ مَكَّةَ بَعْدَ مَوْتِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَزَعَمَ أَنَّهُ رَآهُ وَحَدَّثَ عَنْهُ.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ: كَانَ كَذَّابًا، وَسُئِلَ عَنْهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، فَضَعَّفَهُ جِدًّا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمُعْضِلَاتِ، وَيَدَّعِي شُيُوخًا لَمْ يَرَهُمْ، وَقَدْ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ بِهِ بِلَفْظِ السُّنَنِ، ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ اخْتَلَفَ الَّذِينَ رَوَوْهُ فِي لَفْظِهِ، فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِمُتَابَعَةِ غِيَاثٍ لِعُمَرَ بْنِ هَارُونَ، لِشِدَّةِ ضَعْفِ ابْنِ هَارُونَ.
الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَهَرَ بِهَا مَرَّةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ إمَامٍ يَجْهَرُ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ دَائِمًا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ شَكٌّ، وَلَمْ يَحْتَجْ أَحَدٌ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَكَانَ مِنْ جِنْسِ جَهْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِغَيْرِهَا، وَلَمَا أَنْكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ، وَعَدَّهُ حَدَثًا، وَلَكَانَ الرِّجَالُ أَعْلَمَ بِهِ مِنْ النِّسَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا لَا أُحْصِيهَا: الصُّبْحَ، وَالْمَغْرِبَ، فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا، وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ أَبِي، وَقَالَ أَبِي: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ أَنَسٍ، وَقَالَ أَنَسٌ: مَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
قَالَ الْحَاكِمُ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فِي الصَّلَاةِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» انْتَهَى.
وَفِي الصَّلَاةِ زَادَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
قَالَ الْحَاكِمُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِهِ شَاهِدًا، قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: أَمَا اسْتَحَى الْحَاكِمُ يُورِدُ فِي كِتَابِهِ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ، فَأَنَا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَاَللَّهِ إنَّهُ لَكَذِبٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: سَقَطَ مِنْهُ لَا، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ.
فَقِيلَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ عَنْهُ: عَنْ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسِرُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ»، هَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَقِيلَ عَنْهُ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَفِيهِ الْجَهْرُ، كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَتَوْثِيقُ الْحَاكِمِ لَا يُعَارِضُ مَا يَثْبُتُ فِي الصَّحِيحِ خِلَافُهُ، لِمَا عُرِفَ مِنْ تَسَاهُلِهِ، حَتَّى قِيلَ: إنَّ تَصْحِيحَهُ دُونَ تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، بَلْ تَصْحِيحُهُ كَتَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ، وَأَحْيَانًا يَكُونُ دُونَهُ، وَأَمَّا ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فَتَصْحِيحُهُمَا أَرْجَحُ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ بِلَا نِزَاعٍ، فَكَيْفَ تَصْحِيحُ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، كَيْفَ وَأَصْحَابُ أَنَسٍ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ يَرْوُونَ عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ، حَتَّى إنَّ شُعْبَةَ سَأَلَ قَتَادَةَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْت أَنَسًا يَذْكُرُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَخْبَرَهُ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ الْمُنَافِي لِلْجَهْرِ، وَنَقَلَ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ: مَا سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَأَرْفَعِ دَرَجَاتِ الصَّحِيحِ عِنْدَ أَهْلِهِ، فَإِنَّ قَتَادَةَ أَحْفَظُ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَإِتْقَانُ شُعْبَةَ وَضَبْطُهُ هُوَ الْغَايَةُ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا مِمَّا يُرَدُّ بِهِ قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَوَى حَدِيثَ أَنَسٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ: كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَفَهِمَ مِنْ هَذَا نَفْيَ قِرَاءَتِهَا، فَرَوَاهُ مِنْ عِنْدَهُ، فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ عِلْمًا بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَأَلْفَاظِهِمْ الصَّرِيحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَبِأَنَّهُمْ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ مِنْ الْغَايَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْمُجَازَفَةَ، أَوْ أَنَّهُ مُكَابِرٌ صَاحِبُ هَوًى، فَيَتْبَعُ هَوَاهُ، وَيَدَعُ مُوجِبَ الدَّلِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الْخَطِيبِ عَنْ ابْنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ الْعُمَرِيِّ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْفَرِيضَةِ. انتهى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: سَقَطَ مِنْهُ لَا كَمَا رَوَاهُ الْبَاغَنْدِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَأَمَّا الْجَهْرُ فَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ قَطُّ، وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ مَالِكًا رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قُمْت وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ لَا يَقْرَأُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي: هَكَذَا رَوَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالْعُمَرِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، فَقَالَ: «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ»، قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ ابْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ فِي رَفْعِهِ ذَلِكَ عَنْ عَمِّهِ عَنْ مَالِكٍ، فَصَارَ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ الْخَطِيبُ خَطَأً عَلَى خَطَأٍ، وَالصَّوَابُ فِيهِ عَدَمُ الرَّفْعِ، وَعَدَمُ الْجَهْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ طُرُقًا أُخْرَى: فِيهَا الْجَهْرُ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا قَوْلُهُ: فِي الصَّلَاةِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسٍ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَدِّ بِسْمِ اللَّهِ وَبِمَدِّ الرَّحْمَنِ وَبِمَدِّ الرَّحِيمِ».
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْهُ أَيْضًا، قَالَ: «نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، {إنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَرَ} إلَى آخِرِهَا»، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ أَصْلًا»، وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُقَطِّعُهُمَا حَرْفًا حَرْفًا»، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ الرَّحْمَنَ فَقَالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إلَهَ الْيَمَامَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْفَائِهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَالْمُرْسَلُ إذَا وُجِدَ لَهُ مَا يُوَافِقُهُ، فَهُوَ حُجَّةٌ بِاتِّفَاقٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، وَلَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمِ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّى مُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ صَلَاةً فَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَبَدَأَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، حَتَّى قَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُكَبِّرْ حِينَ يَهْوِي، حَتَّى قَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَاهُ مَنْ سَمِعَ ذَاكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مَكَانِهِ: يَا مُعَاوِيَةُ، أَسَرَقْت الصَّلَاةَ، أَمْ نَسِيتَ؟ أَيْنَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَيْنَ التَّكْبِيرُ إذَا خَفَضْت، وَإِذَا رَفَعْتَ؟ فَلَمَّا صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ قَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَكَبَّرَ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا. انتهى.
قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَقَدْ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ هَذَا فِي إثْبَاتِ الْجَهْرِ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: هُوَ أَجْوَدُ مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ لَكِنَّهُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، أَسْنَدَ ابْنُ عَدِيٍّ إلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحَادِيثُهُ غَيْرُ قَوِيَّةٍ وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيِّنُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِيهِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ضَعِيفٌ لَيَّنُوهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ اضْطَرَبَ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ الضَّعْفِ، أَمَّا فِي إسْنَادِهِ فَإِنَّ ابْنَ خُثَيْمِ تَارَةً يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَنَسٍ، وَتَارَةً يَرْوِيه عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ.
وَقَدْ رَجَّحَ الْأُولَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ لِجَلَالَةِ رَاوِيهَا، وَهُوَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَمَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى تَرْجِيحِ الثَّانِيَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ خُثَيْمِ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، فَزَادَ ذِكْرَ الْجَدِّ كَذَلِكَ، رَوَاهُ عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَهِيَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَالْأُولَى عِنْده وَعِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالثَّانِيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ فَتَارَةً يَقُولُ: صَلَّى، فَبَدَأَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَتَارَةً يَقُولُ: فَلَمْ يَقْرَأْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حِينَ افْتَتَحَ الْقُرْآنَ، وَقَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ، كَمَا هُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَتَارَةً يَقُولُ: فَلَمْ يَقْرَأْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَا لِلسُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمِثْلُ هَذَا الِاضْطِرَابِ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ مِمَّا يُوجِبُ ضَعْفَ الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ ضَبْطِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ شَرْطَ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاذًّا، وَلَا مُعَلَّلًا، وَهَذَا شَاذٌّ مُعَلَّلٌ، فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ عَنْ أَنَسٍ، وَكَيْفَ يَرْوِي أَنَسٌ مِثْلَ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ هَذَا مُحْتَجًّا بِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَنَسٍ الْمَعْرُوفِينَ بِصُحْبَتِهِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِمَّا يَرُدُّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ هَذَا أَنَّ أَنَسًا كَانَ مُقِيمًا بِالْبَصْرَةِ، وَمُعَاوِيَةُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ أَنَّ أَنَسًا كَانَ مَعَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا تَرْكُ الْجَهْرِ بِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى قِرَاءَتَهَا أَصْلًا، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: مَا سَمِعْت الْقَاسِمَ يَقْرَأُ بِهَا، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ، وَلَهُ مَحْمَلٌ، وَهَذَا عَمَلُهُمْ يَتَوَارَثُهُ آخِرُهُمْ عَنْ أَوَّلِهِمْ، فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَا هُوَ شَبَهُهُمْ؟ هَذَا بَاطِلٌ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَوْ رَجَعَ إلَى الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، كَمَا نَقَلُوهُ، لَكَانَ هَذَا مَعْرُوفًا مِنْ أَمْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ الَّذِينَ صَحِبُوهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْهُمْ، بَلْ الشَّامِيُّونَ كُلُّهُمْ خُلَفَاءَهُمْ وَعُلَمَاءَهُمْ، كَانَ مَذْهَبُهُمْ تَرْكَ الْجَهْرِ بِهَا، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ الْجَهْرِ بِهَا فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ.
وَالْأَوْزَاعِيُّ إمَامُ الشَّامِ، وَمَذْهَبُهُ فِي ذَلِكَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، لَا يَقْرَؤُهَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَمِنْ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَالَ مُعَاوِيَةَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ لَمَا تَرَكَهَا حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ رَعِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ مَنْ تَدَبَّرَهَا عَلِمَ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ هَذَا بَاطِلٌ، أَوْ مُغَيَّرٌ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَدْ يُتَمَحَّلُ فِيهِ، وَيُقَالُ: إنْ كَانَ هَذَا الْإِنْكَارُ، عَلَى مُعَاوِيَةَ مَحْفُوظًا، فَإِنَّمَا هُوَ إنْكَارٌ لِتَرْكِ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ، لَا لِتَرْكِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَرْكَ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ كَانَ مَذْهَبَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأُمَرَائِهِمْ عَلَى الْبِلَادِ، حَتَّى إنَّهُ كَانَ مَذْهَبَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّكْبِيرِ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَحِينَ يَسْجُدُ بَعْدَ الْقُعُودِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ تَرْكَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا لَيْسَ فِيهَا صَرِيحٌ صَحِيحٌ، بَلْ فِيهَا عَدَمُهُمَا، أَوْ عَدَمُ أَحَدِهِمَا، وَكَيْفَ تَكُونُ صَحِيحَةً، وَلَيْسَتْ مُخَرَّجَةً فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّحِيحِ، وَلَا الْمَسَانِيدِ، وَلَا السُّنَنِ، الْمَشْهُورَةِ؟ وَفِي رِوَايَتِهَا الْكَذَّابُونَ، وَالضُّعَفَاءُ، وَالْمَجَاهِيلُ الَّذِينَ لَا يُوجَدُونَ فِي التَّوَارِيخِ، وَلَا فِي كُتُبِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، كَعَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَحُصَيْنِ بْنِ مُخَارِقٍ، وَعَمْرِو بْنِ حَفْصٍ الْمَكِّيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَّانَ، وَأَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ، وَابْنِ أَبِي عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ، الْمُلَقَّبِ بِجِرَابِ الْكَذِبِ، وَعُمَرَ بْنِ هَارُونَ الْبَلْخِيّ، وَعِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ الْمَدَنِيِّ، وَآخَرُونَ أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِمْ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُعَارَضَ بِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ، مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ: وَمِنْهُمْ قَتَادَةُ الَّذِي كَانَ أَحْفَظَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَيَرْوِيهِ عَنْهُ شُعْبَةُ الْمُلَقَّبُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ، وَتَلَقَّاهُ الْأَئِمَّةُ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَحَدٌ بِحُجَّةٍ إلَّا مَنْ رَكِبَ هَوَاهُ، وَحَمَلَهُ فَرْطُ التَّعَصُّبِ عَلَى أَنْ عَلَّلَهُ، وَرَدَّ بِاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ، مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُخْتَلِفَةً، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَمَا بَيَّنَّا، وَعَارَضَهُ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَوْضُوعِ، أَوْ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الضَّعِيفِ، وَمَتَى وَصَلَ الْأَمْرُ إلَى مِثْلِ هَذَا، فَجُعِلَ الصَّحِيحُ ضَعِيفًا، وَالضَّعِيفُ صَحِيحًا، وَالْمُعَلَّلُ سَالِمًا مِنْ التَّعْلِيلِ، وَالسَّالِمُ مِنْ التَّعْلِيلِ مُعَلَّلًا سَقَطَ الْكَلَامُ، وَهَذَا لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَاَللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وَمَا تَحَلَّى طَالِبُ الْعِلْمِ بِأَحْسَنَ مِنْ الْإِنْصَافِ وَتَرْكِ التَّعَصُّبِ، وَيَكْفِينَا فِي تَضْعِيفِ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ إعْرَاضُ أَصْحَابِ الْجَوَامِعِ الصَّحِيحَةِ، وَالسُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ، وَالْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهَا فِي حُجَجِ الْعِلْمِ، وَمَسَائِلِ الدِّينِ.
فَالْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ شِدَّةِ تَعَصُّبِهِ وَفَرْطِ تَحَامُلِهِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لَمْ يُودِعْ صَحِيحَهُ مِنْهَا حَدِيثًا وَاحِدًا، وَلَا كَذَلِكَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا حَدِيثَ أَنَسٍ الدَّالِّ عَلَى الْإِخْفَاءِ، وَلَا يُقَالُ فِي دَفْعِ ذَلِكَ: إنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَا أَنْ يُودِعَا فِي صَحِيحَيْهِمَا كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ، يَعْنِي فَيَكُونَانِ قَدْ تَرَكَا أَحَادِيثَ الْجَهْرِ فِي جُمْلَةِ مَا تَرَكَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا سَخِيفٌ أَوْ مُكَابِرٌ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ مِنْ أَعْلَامِ الْمَسَائِلِ وَمُعْضِلَاتِ الْفِقْهِ، وَمِنْ أَكْثَرِهَا دَوَرَانًا فِي الْمُنَاظَرَةِ وَجَوَلَانًا فِي الْمُصَنَّفَاتِ، وَالْبُخَارِيُّ كَثِيرُ التَّتَبُّعِ لِمَا يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ السُّنَّةِ، فَيَذْكُرُ الْحَدِيثَ، ثُمَّ يُعَرِّضُ بِذِكْرِهِ، فَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كَذَا وَكَذَا، يُشِيرُ بِبَعْضِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَيُشَنِّعُ لِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يُخْلِي كِتَابَهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ: بَابُ الصَّلَاةِ مِنْ الْإِيمَانِ، ثُمَّ يَسُوقُ أَحَادِيثَ الْبَابِ، وَيَقْصِدُ الرَّدَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ؟ قَوْلَهُ: إنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ، مَعَ غُمُوضِ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَمَسْأَلَةُ الْجَهْرِ يَعْرِفُهَا عَوَامُّ النَّاسِ وَرُعَاعُهُمْ، هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ، بَلْ يَسْتَحِيلُ، وَأَنَا أَحْلِفُ بِاَللَّهِ، وَبِاَللَّهِ لَوْ اطَّلَعَ الْبُخَارِيُّ عَلَى حَدِيثٍ مِنْهَا مُوَافِقٍ بِشَرْطِهِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ شَرْطِهِ لَمْ يُخْلِ مِنْهُ كِتَابَهُ، وَلَا كَذَلِكَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَهَذَا أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مَعَ اشْتِمَالِ كُتُبِهِمْ عَلَى الْأَحَادِيثِ السَّقِيمَةِ، وَالْأَسَانِيدِ الضَّعِيفَةِ لَمْ يُخَرِّجُوا مِنْهَا شَيْئًا، فَلَوْلَا أَنَّهَا عِنْدَهُمْ وَاهِيَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ لَمَا تَرَكُوهَا، وَقَدْ تَفَرَّدَ النَّسَائِيّ مِنْهَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ أَقْوَى مَا فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ، وَالْجَوَابَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْهَا: حَدِيثَ عَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ، وَقَدْ عُرِفَ تَسَاهُلُهُ، وَبَاقِيهَا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي سُنَنِهِ الَّتِي هِيَ مَجْمَعُ الْأَحَادِيثِ الْمَعْلُولَةِ، وَمَنْبَعُ الْأَحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ، قَدْ بَيَّنَّاهَا حَدِيثًا حَدِيثًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ:
فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَجَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَكَانَ أَبِي يَجْهَرُ بِهَا، انْتَهَى.
وَهَذَا الْأَثَرُ مُخَالِفٌ لِلصَّحِيحِ الثَّابِتِ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْهَرُ، كَمَا رَوَاهُ أَنَسٌ، وَقَدْ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَيْضًا عَدَمَ الْجَهْرِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ لَا يَجْهَرَانِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ مَرَّةً، أَوْ بَعْضَ أَحْيَانٍ، لِأَحَدِ الْأَسْبَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا كَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. انتهى.
وَهَذَا بَاطِلٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ الْوَقَّاصِيُّ، أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْت أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: كَذَّابٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْأَشْيَاءَ الْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهَذَا أَيْضًا لَا يَثْبُتُ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ لَمْ يَلْحَقْ عَلِيًّا، وَلَا صَلَّى خَلْفَهُ قَطُّ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى ابْنِهِ يَعْقُوبَ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، وَمَشَّاهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَأَمَّا شَيْخُ الْخَطِيبِ فِيهِ، فَهُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ الْأَهْوَازِيُّ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ أَبِي عَلِيٍّ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ يُرَكِّبُ الْأَسَانِيدَ، وَنَقَلَ الْخَطِيبُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْجَصَّاصِ، قَالَ: كُنَّا نُسَمِّي ابْنَ أَبِي عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ جِرَابَ الْكَذِبِ، وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ صَالِحِ بْنِ نَبْهَانَ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَكَانُوا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهَذَا أَيْضًا لَا يَثْبُتُ، وَالْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ هُوَ الْعَرَبِيُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ، أَوْ هُوَ حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ، وَانْقَلَبَ اسْمُهُ، وَهُوَ أَيْضًا شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ، أَوْ هُوَ مَجْهُولٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى فَقَدْ رُمِيَ بِالرَّفْضِ وَالْكَذِبِ، وَصَالِحُ بْنُ نَبْهَانَ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَفِي إدْرَاكِهِ لِلصَّلَاةِ خَلْفَ أَبِي قَتَادَةَ نَظَرٌ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَثُرَ الْكَذِبُ فِي أَحَادِيثِ الْجَهْرِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، لِأَنَّ الشِّيعَةَ تَرَى الْجَهْرَ، وَهُمْ أَكْذَبُ الطَّوَائِفِ، فَوَضَعُوا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ، وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَحَدُ أَعْيَانِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَرَى تَرْكَ الْجَهْرِ بِهَا، وَيَقُولُ: الْجَهْرُ بِهَا صَارَ مِنْ شِعَارِ الرَّوَافِضِ، وَغَالِبُ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ نَجِدُ فِي رِوَايَتِهَا مَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى التَّشَيُّعِ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، قَالَ: صَلَّيْت خَلْفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَكَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَالَ: مَا يَمْنَعُ أُمَرَاءَكُمْ أَنْ يَجْهَرُوا بِهَا إلَّا الْكِبْرُ. انتهى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِعْلَامِ بِأَنَّ قِرَاءَتَهَا سُنَّةٌ، فَإِنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا يُسِرُّونَ بِهَا، فَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ قِرَاءَتَهَا بِدْعَةٌ، فَجَهَرَ بِهَا مَنْ جَهَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ لِيُعْلِمُوا النَّاسَ أَنَّ قِرَاءَتَهَا سُنَّةٌ، لَا أَنَّهُ فِعْلُهُ دَائِمًا، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ تَرْكَ الْجَهْرِ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ، مَعَ أَنَّهَا قَدْ اخْتَلَفَتْ، فَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَهْرُ، وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَرْكُهُ، وَفِي بَعْضِ الْأَسَانِيدِ إلَيْهِمْ الضَّعْفَةُ وَالِاضْطِرَابُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ جَهْرِ مَنْ جَهَرَ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الرُّجُوعُ إلَى الدَّلِيلِ، لَا إلَى الْأَقْوَالِ، وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ مَنْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْجَهْرَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمْ غَيْرُهُ، كَمَا نَقَلَ الْخَطِيبُ الْجَهْرَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَةِ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُمْ تَرْكُهُ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمْ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخْتَلَفْ فِي الْجَهْرِ بِهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ إنْ اُخْتُلِفَ فِي الْجَهْرِ بِهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْخَطِيبُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَدَمَ الْجَهْرِ، وَكَذَلِكَ رَوَى الطَّحَاوِيُّ، وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَدَمَ الْجَهْرِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَدَمَ الْجَهْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْخَطِيبُ عَنْ عِكْرِمَةَ الْجَهْرَ، وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ عَنْهُ عَدَمَهُ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ، وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقَ الْجَهْرَ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُمَا تَرْكَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْجَهْرُ بِهَا بِدْعَةٌ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَدْرَكْت الْأَئِمَّةَ وَمَا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ إلَّا بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ وَكِيعٌ: كَانَ الْأَعْمَشُ، وَابْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَعَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، وَمَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ مَشْيَخَتِنَا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانُوا يُسِرُّونَ الْبَسْمَلَةَ وَالتَّعَوُّذَ فِي الصَّلَاةِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ أَنَّ الْحَسَنَ سُئِلَ عَنْ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، فَقَالَ: إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْأَعْرَابُ، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ ثَنَا خَصِيفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: إذَا صَلَّيْت فَلَا تَجْهَرْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاجْهَرْ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ.
مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ، ذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الشَّافِعِيَّةُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِي الْجُمْلَةِ لَا تُحَسَّنُ بِمَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالنَّقْلِ أَنْ يُعَارِضَ بِهَا الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، وَلَوْلَا أَنْ يَعْرِضَ لِلتَّفَقُّهِ شُبْهَةٌ عِنْدَ سَمَاعِهَا فَيَظُنَّهَا صَحِيحَةً لَكَانَ الْإِضْرَابُ عَنْ ذِكْرِهَا أَوْلَى، وَيَكْفِي فِي ضَعْفِهَا إعْرَاضُ الْمُصَنِّفِينَ لِلْمَسَانِيدِ، وَالسُّنَنِ عَنْ جُمْهُورِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْهَا طَرَفًا فِي سُنَنِهِ فَبَيَّنَ ضَعْفَ بَعْضِهَا وَسَكَتَ عَنْ بَعْضِهَا.
وَقَدْ حَكَى لَنَا مَشَايِخُنَا أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ لَمَّا وَرَدَ مِصْرَ سَأَلَهُ بَعْضُ أَهْلِهَا تَصْنِيفَ شَيْءٍ فِي الْجَهْرِ، فَصَنَّفَ فِيهِ جُزْءًا، فَأَتَاهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: كُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَهْرِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَمَّا عَنْ الصَّحَابَةِ: فَمِنْهُ صَحِيحٌ، وَضَعِيفٌ، ثُمَّ تَجَرَّدَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ لِجَمْعِ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ، فَأَزْرَى عَلَى عِلْمِهِ بِتَغْطِيَةِ مَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَنْكَشِفُ، وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَلَهَا وَخَلَلَهَا، ثُمَّ إنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَحْمِلُ أَحَادِيثَهُمْ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ جَهَرَ بِهَا لِلتَّعْلِيمِ، أَوْ جَهَرَ بِهَا جَهْرًا يَسِيرًا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ، وَالْمَأْمُومُ إذَا قَرُبَ الْإِمَامَ أَوْ حَاذَاهُ سَمِعَ مَا يُخَافِتُهُ وَلَا يُسَمَّى ذَلِكَ جَهْرًا، كَمَا وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْرَ فَيُسْمِعُهُمْ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَحْيَانَا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْجَهْرِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ يُدْعَى رَحْمَنَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: إنَّمَا يَدْعُو إلَهَ الْيَمَامَةِ، فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِإِخْفَائِهَا، فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ»، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْجَهْرِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ فِي ذَلِكَ مَسْلَكَ الْبَحْثِ وَالتَّأْوِيلِ، فَقَالَ: إنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ تُقَدَّمُ عَلَى أَحَادِيثِ الْإِخْفَاءِ بِأَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ أَحَادِيثَ الْإِخْفَاءِ رَوَاهَا اثْنَانِ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ رَوَاهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَحَادِيثَ الْإِخْفَاءِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ، وَأَحَادِيثَ الْجَهْرِ شَهَادَةٌ عَلَى إثْبَاتٍ، وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ، كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُ بِلَالٍ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ عَلَى قَوْلِ أُسَامَةَ.
وَغَيْرِهِ: إنَّهُ لَمْ يُصَلِّ، قَالُوا: وَبِأَنَّ أَنَسًا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ إنْكَارُ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ، فَرَوَى أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي مَسْلَمَةً، قَالَ: سَأَلْت أَنَسًا أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: إنَّك لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ، أَوْ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَك.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ قُلْنَا: أَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، فَالِاعْتِمَادُ عَلَى كَثْرَةِ الرُّوَاةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ صِحَّةِ الدَّلِيلَيْنِ، وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ لَيْسَ فِيهَا صَحِيحٌ صَرِيحٌ، بِخِلَافِهِ حَدِيثُ الْإِخْفَاءِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ صَرِيحٌ ثَابِتٌ مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ، وَالْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ، وَالسُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَرَوْنَ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، لِبُعْدِ احْتِمَالِ الْغَلَطِ عَلَى الْعَدَدِ الْأَكْثَرِ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعَةً، لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْحُدُودِ، وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ، وَإِنْ كَثُرَتْ رُوَاتُهَا لَكِنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ؟ كَحَدِيثِ: الطَّيْرِ، وَحَدِيثِ: الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ. وَحَدِيثِ: مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ.
بَلْ قَدْ لَا يُزِيدُ الْحَدِيثَ كَثْرَةُ الطُّرُقِ إلَّا ضَعْفًا، وَإِنَّمَا تُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ إذَا كَانَتْ الرُّوَاةُ مُحْتَجًّا بِهِمْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، كَتَرْجِيحِ الْأَئِمَّةِ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدِيث: الْمُجَامِعِ، وَذِكْرِهِمْ التَّرْتِيبَ، وَتَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَى الْجِمَاعِ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّخْيِيرَ، وَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِطْرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْجِمَاعِ، وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ لَيْسَتْ مُخَرَّجَةً فِي الصِّحَاحِ، وَلَا الْمَسَانِيدِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَمْ يَرْوِهَا إلَّا الْحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، فَالْحَاكِمُ عُرِفَ تَسَاهُلُهُ وَتَصْحِيحُهُ لِلْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، بَلْ الْمَوْضُوعَةِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فَقَدْ مَلَأ كِتَابَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْغَرِيبَةِ، وَالشَّاذَّةِ، وَالْمُعَلَّلَةِ، وَكَمْ فِيهِ مِنْ حَدِيثٍ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ فَهِيَ وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي صُورَةِ النَّفْيِ، فَمَعْنَاهَا الْإِثْبَاتُ، بِخِلَافِ حَدِيثِ بِلَالٍ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى تَقْدِيمِ الْإِثْبَاتِ قَالُوا: لِأَنَّ الْمُثْبِتَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَأَيْضًا فَالنَّفْيُ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ لِدَلِيلِ الْأَصْلِ، وَالْإِثْبَاتُ يُفِيدُ التَّأْسِيسَ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى.
الثَّانِي: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، قَالُوا: لِأَنَّ النَّافِيَ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ، وَأَيْضًا، فَالظَّاهِرُ تَأْخِيرُ النَّافِي عَنْ الْمُثْبِتِ، إذْ لَوْ قُدِّرَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لَكَانَتْ فَائِدَتُهُ التَّأْكِيدَ، لِدَلِيلِ الْأَصْلِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَأْخِيرِهِ يَكُونُ تَأْسِيسًا، فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّافِيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُثْبِتِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْآمِدِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَقَدْ قَدَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُذَّاقِ: مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ النَّفْيَ عَلَى الْإِثْبَاتِ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى عَلَيْهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَقَالُوا فِيهِ: وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ صَبِيًّا يَوْمئِذٍ، فَمَرْدُودٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَسٍ يَوْمئِذٍ عَشْرُ سِنِينَ، وَمَاتَ، وَلَهُ عِشْرُونَ سَنَةً، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُ عَشْرَ سِنِينَ، فَلَا يَسْمَعُهُ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يَجْهَرُ؟ هَذَا بَعِيدٌ، بَلْ مُسْتَحِيلٌ.
ثُمَّ قَدْ رُوِيَ هَذَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ وَهُوَ رَجُلٌ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَكَهْلٌ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ، مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي زَمَانِهِمْ، وَرِوَايَتِهِ لِلْحَدِيثِ؟، وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ}، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ إنْكَارِ أَنَسٍ، فَلَا يُقَاوِمُ مَا يَثْبُتُ عَنْهُ خِلَافُهُ فِي الصَّحِيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ نَسِيَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، لِكِبَرِهِ، وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرًا، كَمَا سُئِلَ يَوْمًا عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْحَسَنِ فَاسْأَلُوهُ، فَإِنَّهُ حَفِظَ، وَنَسِينَا، وَكَمْ مِمَّنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ ذِكْرِهَا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا، لَا عَنْ الْجَهْرِ بِهَا وَإِخْفَائِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ:
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْبَسْمَلَةِ، هَلْ يُجْهَرُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى الْجَهْرِ بِهَا، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ.
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالُوا: يُسَرُّ بِهَا وَلَا يُجْهَرُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَقْرَؤُهَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِخْفَاءِ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ، وَأَكْثَرُهَا نُصُوصٌ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَهِيَ وَإِنْ عَارَضَهَا أَحَادِيثُ أُخْرَى، فَأَحَادِيثُ الْإِسْرَارِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ثُبُوتُهَا وَصِحَّةُ سَنَدِهَا وَلَا خَفَاءَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ لَا تُوَازِيهَا فِي الصِّحَّةِ وَالثُّبُوتِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا وَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ، بِمَا أَخْبَرْنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ، قَالَ: وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ الرَّحْمَنَ فَقَالُوا: إنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إلَى إلَهِ الْيَمَامَةِ، فَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْفَاهَا فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ» انْتَهَى.
وَهَذَا مُرْسَلٌ يَتَقَوَّى بِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْرَفَ بِأَوَاخِرِ الْأُمُورِ، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى الْجَهْرِ، فَقَالَ: لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِ وُرُودِ الْأَحَادِيثِ فِي الْجَانِبَيْنِ، وَكُتُبُ السُّنَنِ، وَالْمَسَانِيدُ نَاطِقَةٌ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ الْجَهْرِ آثَارُ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرًّا، إلَى عَصْرِ الْأُمَّةِ، وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُرْسَلًا لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا أَخْبَرَنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّارُ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ عَمْرٍو الْكُوفِيُّ ثَنَا عُمَرُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَكِّيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ، يَجْهَرُ فِي السُّورَتَيْنِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَتَّى قُبِضَ» انْتَهَى.
قَالَ: وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا ادِّعَاءُ النَّسْخِ فِي كَلَامِ الْمَذْهَبَيْنِ فَمُتَعَذِّرٌ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَالصِّحَّةُ، وَقَدْ فَقَدْنَاهَا هَاهُنَا، فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْإِخْفَاءِ، فَهِيَ أَمْتَنُ، غَيْرَ أَنَّ هُنَا شَيْئًا، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مَأْثُورَةً عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، غَيْرَ أَنَّ أَكْثَرَهَا لَمْ يَسْلَمْ مِنْ شَوَائِبِ الْجَرْحِ، كَمَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَالِاعْتِمَادُ فِي الْبَابِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، لِأَنَّهَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ.
ثُمَّ الرِّوَايَةُ قَدْ اخْتَلَفَتْ عَنْ أَنَسٍ مِنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ، وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ:
الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَنَسٍ، رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ، وَيَحْيَى بْنُ السَّكَنِ وَأَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ عَنْ قَتَادَةَ: مِنْهُمْ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحُمَيْدَ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَهَمَّامٌ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُمَا فِي لَفْظِهِ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ قَتَادَةَ، وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَلَى إخْرَاجِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِسَلَامَتِهَا مِنْ الِاضْطِرَابِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْدَءُونَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ السُّورَةِ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
الثَّانِي: رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهُ كَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ، وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ، وَقُرَادُ أَبُو نُوحٍ، وَآدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْمَزْرَفِيُّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَكْثَرُهُمْ اضْطَرَبُوا فِيهِ، فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ الْبُخَارِيُّ مِنْ إخْرَاجِهِ، وَهُوَ مِنْ مَفَارِيدِ مُسْلِمٍ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ، وَجُوَيْرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَالَ: بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ»، وَقَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: رُوِيَ عَنْهُ مَا أَخْبَرَنَا، وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَزَّارُ ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ: «سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَوْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟، فَقَالَ إنَّك لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَك.
قُلْت: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي النَّعْلَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ»
انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ مُخَرَّجَةٌ فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ، كَمَا تَرَى، وَغَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ وُقُوعُ الِاخْتِلَافِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَكَمْ مِنْ شَخْصٍ يَتَغَافَلُ عَنْ أَمْرٍ هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ، حَتَّى لَا يُلْقِي إلَيْهِ بَالًا أَلْبَتَّةَ، وَيَتَنَبَّهُ لِأَمْرٍ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَيُلْقِي إلَيْهِ بَالَهُ بِكُلِّيَّتِهِ، وَمِنْ أَعْجَبْ مَا اتَّفَقَ لِي أَنِّي دَخَلْت جَامِعًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، لِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْحَدِيثِ، فَحَضَرَ إلَيَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُمْ مِنْ الْمُوَاظِبِينَ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْجَامِعِ، وَكَانَ إمَامُهُمْ صَيِّتًا يَمْلَأُ الْجَامِعَ صَوْتُهُ، فَسَأَلْتهمْ عَنْهُ، هَلْ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَوْ يُخْفِيهَا؟ فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجْهَرُ بِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُخْفِيهَا، وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ، وَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَيِّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَهُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالسُّنَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ) فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لَا تَتَعَيَّنُ رُكْنًا عِنْدَنَا، وَكَذَا ضَمُّ السُّورَةِ إلَيْهَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَاتِحَةِ، وَلِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا، لَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا».
وَلِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا تَجُوزُ، لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ، فَقُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَةٍ مَعَهَا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَرِيفٍ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ، وَسُورَةٍ، فِي فَرِيضَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا» انْتَهَى بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ وَاقْتَصَرَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْهُ عَلَى قَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ» إلَى آخِرِهِ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَتَحْلِيلِهَا، وَابْنُ مَاجَهْ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَسَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِأَبِي سُفْيَانَ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَجْلَهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَضَعَّفَ أَبَا سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَقَالَ عَنْهُ النَّسَائِيّ: إنَّهُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَفْظُهُ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالسُّورَةِ»، وَفِي لَفْظٍ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَمَا تَيَسَّرَ»، وَفِي لَفْظٍ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَمَعَهَا غَيْرُهَا»، وَفِي لَفْظٍ: «وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا»، وَلَيَّنَ هُوَ أَبَا سُفْيَانَ، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ، وَإِنَّمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْمُتُونِ بِأَشْيَاءَ لَا يَأْتِي بِهَا غَيْرُهُ، وَأَسَانِيدُهُ مُسْتَقِيمَةٌ، انْتَهَى.
ورَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِهِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَمَعَهَا غَيْرُهَا».
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلَفْظُهُ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَمَا تَيَسَّرَ»، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: هَذَا يَرْوِيه قَتَادَةُ، وَأَبُو سُفْيَانَ السَّعْدِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهُ أَبُو مَسْلَمَةً عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُ شُعْبَةَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ زَنْبَعَةُ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ عُمَرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي مَسْلَمَةً مَرْفُوعًا، وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ عَنْ شُعْبَةَ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْخَلِيلِ الْخُشَنِيُّ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْخُشَنِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى قَرِيبًا مِنْهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعِدْ صَلَاتَك، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَصَلَّى بِنَحْوِ مَا صَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعِدْ صَلَاتَك، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي، قَالَ: إذَا اسْتَقْبَلْت الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْت، فَإِذَا رَكَعْت فَاجْعَلْ رَاحَتَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَامْدُدْ ظَهْرَك، وَمَكِّنْ لِرُكُوعِك، فَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك، فَأَقِمْ صُلْبَك حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إلَى مَفَاصِلِهَا، فَإِذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ لِسُجُودِك، فَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِك الْيُسْرَى، ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرَوَيْهِ، قَالَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: «إذَا قُمْت فَتَوَجَّهْت إلَى الْقِبْلَةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ».
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ رَبِيعِ بْنِ بَدْرٍ، وَيُعْرَفُ بِعَلِيلَةَ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَخِيهِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَتَيْنِ فَصَاعِدًا» انْتَهَى.
وَضَعَّفَ الرَّبِيعَ بْنَ بَدْرٍ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَثَلَاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا» انْتَهَى.
وَضَعَّفَ عُمَرُ بْنُ يَزِيدَ، وَقَالَ: إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ، الْفِرْسَانِيِّ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَشَيْءٍ مَعَهَا» انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَالِكٍ عَلَى رُكْنِيَّةِ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ، وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا بِحَدِيثٍ عَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُقْرَأُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ، وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ. انْتَهَى.
وَهَذَا مَوْقُوفٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».
قُلْت: رَوَى الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ: «لَا يُجْزِئُ صَلَاةٌ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ أَيْضًا، وَقَالَ: زِيَادٌ أَحَدُ الثِّقَاتِ، انْتَهَى.
وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: انْفَرَدَ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ بِكَوْنِهِ بِلَفْظِ «لَا يُجْزِئُ»، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ»، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ: وَكَأَنَّ زِيَادًا رَوَاهُ بِالْمَعْنَى. انتهى.
وَلَمَّا عَزَا بَعْضُ الْجَاهِلِينَ حَدِيثَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» إلَى الصَّحِيحَيْنِ أَخَذَ يَتَعَجَّبُ مِنْ سُوءِ فَهْمِهِ، فَقَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ كَيْفَ عَزَاهُ فِي أَحْكَامِهِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ فَقَطْ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَاَلَّذِي عَزَاهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إنَّمَا هُوَ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ بِهَذَا اللَّفْظِ بِغَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُجْزِئُ صَلَاةُ مَنْ لَا يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
قُلْت: وَإِنْ كُنْت خَلْفَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدَيَّ، وَقَالَ: اقْرَأْ فِي نَفْسِك»
انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَمْ يَقُلْ فِي خَبَرِ الْعَلَاءِ هَذَا: «لَا يُجْزِئُ صَلَاةٌ»، إلَّا شُعْبَةُ، وَلَا عَنْهُ إلَّا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. انتهى.
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، كَمَا تَرَاهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ أَصْحَابِنَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ: «دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» انْتَهَى.
وَالْخَصْمُ يَحْمِلُ قَوْلَهُ: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآن» أَيْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَهَذَا فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ قَالَ: «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا»، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِوُجُوبِ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ، وَكَيْفَ لَا يَذْكُرُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْفَاتِحَةَ، وَهُوَ فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ لَهُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ؟ لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدِيثَ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ «إذَا قُمْت فَتَوَجَّهْت إلَى الْقِبْلَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ، وَإِذَا رَكَعْت فَضَعْ رَاحَتَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَامْدُدْ ظَهْرَك، وَإِذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ بِسُجُودِك، وَإِذَا رَفَعْت فَاقْعُدْ عَلَى فَخِذِك الْيُسْرَى» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بِهِ، أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «إنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَحْمَدَ اللَّهَ وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأَ بِمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْكَعَ»، الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بِهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: «إذَا أَنْتَ قُمْت فِي صَلَاتِك فَكَبِّرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْك مِنْ الْقُرْآنِ» الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بِهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ فِيهِ: «فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ، ثُمَّ أَقِمْ وَكَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَكَبِّرْهُ، وَهَلِّلْهُ، وَقَالَ فِيهِ: وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُنَادِيَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَنْ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» انْتَهَى.
وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ إلَّا ابْنُ طَهْمَانَ. انتهى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَارِثِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ الْمَعْرُوفِ بِاللَّجْلَاجِ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ، وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ اللَّجْلَاجِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْجَرَّاحِ الْكُوفِيُّ ثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، أَوْ غَيْرِهَا» انْتَهَى.
وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ بِاللَّجْلَاجِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَ بِمَنَاكِيرَ لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَهِيَ أَبَاطِيلُ. انتهى.
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَهُمَا، وَذَكَرَ أَثَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ، فَقِيلَ لَهُ، قَالَ: كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ؟ قَالُوا: حَسَنًا، قَالَ: فَلَا بَأْسَ. انتهى.
قَالَ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عُمَرَ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ مَوْصُولَةٍ أَنَّ عُمَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ.
الثَّانِي: عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا، قَالَ لَهُ: صَلَّيْت وَلَمْ أَقْرَأْ، فَقَالَ لَهُ: أَتْمَمْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تَمَّتْ صَلَاتُك. انتهى.
قَالَ: وَالْحَارِثُ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ كَذَّابًا، انْتَهَى.
(وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ، وَيَقُولُهَا الْمُؤْتَمُّ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» وَلَا مُتَمَسَّكَ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» مِنْ حَيْثُ الْقِسْمَةُ، لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ «فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا».
قَالَ: (وَيُخْفُونَهَا) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ، وَالْمَدُّ وَالْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ خَطَأٌ فَاحِشٌ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: آمِينَ» انْتَهَى.
وَلَفْظُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِ: «إذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ»، وَزَادَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ: «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ»، الْحَدِيثَ، وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ».
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا أَمَّنَ كَتَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ غَيْرِ إعْجَابٍ وَلَا سُمْعَةٍ وَلَا رِيَاءٍ، خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُغْفَرُ لَهُ. انتهى.
قُلْت: هَذَا التَّفْسِيرُ يَنْدَفِعُ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ، وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» انْتَهَى.
وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ: إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَقُلْهَا الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ، نَبَّهَ عَلَيْهَا عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ: انْدِرَاجُ الْمُنْفَرِدِ فِيهِ، وَغَيْرُ هَذَا اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامِ، أَوْ فِي الْمَأْمُومِ أَوْ فِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ» وَفِي آخِرِهِ: «فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا».
قُلْت: رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: آمِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ: فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ» انْتَهَى بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ.
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا، يَقُولُ: لَا تُبَادِرُوا الْإِمَامَ، إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ}، فَقُولُوا: آمِينَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، أَيْضًا عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، وَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، فَقَالَ: إذَا صَلَّيْتُمْ فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فَقُولُوا: آمِينَ يُجِبْكُمْ اللَّهُ»، الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَعْنِي قَوْلَهُ: «أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ» وَذَكَرَ مِنْهَا آمِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ:
مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى، فَلَمَّا بَلَغَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قَالَ: آمِينَ، وَأَخْفَى بِهَا صَوْتَهُ» انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ وَلَفْظُهُ: «وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ»، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ، وَأَخْفَى بِهَا صَوْتَهُ، وَيُقَالُ: إنَّهُ وَهِمَ فِيهِ، لِأَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، وَغَيْرَهُمَا رَوَوْهُ عَنْ سَلَمَةَ، فَقَالُوا: وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ. انتهى.
وَطَعَنَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، سَمِعْت حُجْرًا أَبَا عَنْبَسٍ يُحَدِّثُ عَنْ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ «أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ، رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ» قَالَ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُوَافِقُ رِوَايَةَ سُفْيَانَ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: إسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ، وَكَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ: سُفْيَانُ أَحْفَظُ، وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إذَا خَالَفَ شُعْبَةُ سُفْيَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ: الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ أَخْطَأَ، فَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ: فَجَهَرَ بِهَا. انتهى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: اخْتِلَافُ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، فَشُعْبَةُ يَقُولُ: خَفَضَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: رَفَعَ.
الثَّانِي: اخْتِلَافُهُمَا فِي حُجْرٌ، فَشُعْبَةُ يَقُولُ: حُجْرٌ أَبُو الْعَنْبَسِ، وَالثَّوْرِيُّ يَقُولُ: حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ، وَصَوَّبَ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ قَوْلَ الثَّوْرِيِّ، وَلَا أَدْرِي لِمَ لَمْ يُصَوِّبَا قَوْلَهُمَا جَمِيعًا حَتَّى يَكُونَ حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ أَبَا الْعَنْبَسِ؟ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ قَدْ عَلِمَا لَهُ كُنْيَةً أُخْرَى.
الثَّالِثُ: أَنَّ حُجْرًا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، فَإِنَّ الْمَسْتُورَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ، أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ مُخْتَلَفٍ فِي قَبُولِ حَدِيثِهِ، لِلِاخْتِلَافِ فِي ابْتِغَاءِ مَزِيدِ الْعَدَالَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ.
وَالرَّابِعُ: اخْتِلَافُهُمَا أَيْضًا، فَجَعَلَهُ الثَّوْرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حُجْرٌ عَنْ وَائِلٍ، وَجَعَلَهُ شُعْبَةُ مِنْ رِوَايَةِ حُجْرٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ رِوَايَةَ الثَّوْرِيِّ، وَكَأَنَّهُ عَرَفَ مِنْ حَالِ حُجْرٌ الثِّقَةَ، وَلَمْ يَرَهُ مُنْقَطِعًا، بِزِيَادَةِ شُعْبَةَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ فِي الْوَسَطِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَمَلَ التِّرْمِذِيَّ عَلَى أَنْ حَسَّنَهُ، وَالْحَدِيثُ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْحَسَنِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ تَفَقُّهًا، قَالَهُ ابْنُ حِبَّانَ صَرِيحًا فَقَالَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ: حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ أَبُو الْعَنْبَسِ الْكُوفِيُّ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: حُجْرٌ أَبُو الْعَنْبَسِ، يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ، وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، رَوَى عَنْهُ مَسْلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ. انتهى.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ عِلَّةً أُخْرَى ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ، فَقَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ، هَلْ سَمِعَ عَلْقَمَةُ مِنْ أَبِيهِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. انتهى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَرَأَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» انْتَهَى.
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: «وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ»، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ فِيهِ: «وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ».
قَالَ: وَسَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ: حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَأَخْطَأَ فِيهِ شُعْبَةُ فِي مَوَاضِعَ: فَقَالَ: عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ، وَإِنَّمَا هُوَ حُجْرٌ بْنُ الْعَنْبَسِ، وَيُكَنَّى أَبَا السَّكَنِ، وَزَادَ فِيهِ: عَنْ عَلْقَمَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ عَلْقَمَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلٍ، وَقَالَ: وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ: وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ، وَسَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، وَيُقَالُ: الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ الْأَسَدِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ صَلَّى فَجَهَرَ بِآمِينَ، وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ» انْتَهَى.
وَسَكَتَا عَنْهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ النَّسَائِيّ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَيَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا، قَالَ: آمِينَ، يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَلَا: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ» انْتَهَى.
زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: فَيَرْتَجُّ بِهَا الْمَسْجِدُ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، وَلَفْظُهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ، وَقَالَ: آمِينَ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَيُنْظَرُ أَسَانِيدُهُمْ الثَّلَاثَةُ، وَبِشْرُ بْنُ رَافِعٍ الْحَارِثِيُّ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ أَبُو الْأَسْبَاطِ الْحَارِثِيُّ ضَعِيفٌ، وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَلَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُ بِشْرٍ، وَالْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَجْلِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا هَارُونُ الْأَعْوَرُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أُمِّ الْحُصَيْنِ عَنْ أُمِّهِ «أَنَّهَا صَلَّتْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: آمِينَ، فَسَمِعَتْهُ وَهِيَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ» انْتَهَى.
قَالَ (ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ (وَيَحْذِفُ التَّكْبِيرَ حَذْفًا) لِأَنَّ الْمَدَّ فِي أَوَّلِهِ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ لِكَوْنِهِ اسْتِفْهَامًا، وَفِي آخِرِهِ لَحْنٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ».
قُلْت: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ» وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ. انتهى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالدَّارِمِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ» انْتَهَى.
زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي لَفْظِ: «إنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلَاتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا رَفَعَ وَوَضَعَ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا التَّكْبِيرُ؟ فَقَالَ: إنَّهَا لَصَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
وَفِي الْمُوَطَّأِ لِمَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلَاتُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ» انْتَهَى.
(وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَيُفَرِّجُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك» وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ الْأَخْذِ، وَلَا إلَى الضَّمِّ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَنَسٍ: «إذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك».
قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمَيْهِ الصَّغِيرِ، وَالْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ وَلِيَدٍ النَّرْسِيُّ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ حَاتِمٍ الْأَنْصَارِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ، فَذَهَبَتْ بِي أُمِّي إلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رِجَالَ الْأَنْصَارِ وَنِسَاءَهُمْ قَدْ أَتْحَفُوك، وَلَمْ أَجِدْ مَا أُتْحِفُك إلَّا ابْنِي هَذَا، فَاقْبَلْهُ مِنِّي يَخْدُمُك مَا شِئْت، قَالَ: فَخَدَمْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَلَمْ يَضْرِبْنِي ضَرْبَةً قَطُّ، وَلَمْ يَسُبَّنِي، وَلَمْ يَعْبِسْ فِي وَجْهِي، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بُنَيَّ إذَا رَكَعْت فَضَعْ كَفَّيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَأَفْرِجْ بَيْنَ أَصَابِعِك، وَارْفَعْ يَدَيْك عَنْ جَنْبَيْك»، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الصُّدَائِيُّ ثَنَا عَبَّادُ الْمُنْقِرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ بِهِ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ الضُّعَفَاءُ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي هَاشِمٍ الْأُبُلِّيِّ، قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بُنَيَّ إذَا تَقَدَّمْت إلَى الصَّلَاةِ فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَارْفَعْ يَدَيْك عَنْ جَنْبَيْك، وَكَبِّرْ، وَاقْرَأْ بِمَا بَدَا لَك، وَإِذَا رَكَعْت فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَأَفْرِجْ بَيْنَ أَصَابِعِك، وَسَبِّحْ، وَإِذَا رَفَعْت رَأْسَك فَأَقِمْ صُلْبَك، وَإِذَا سَجَدْت، فَضَعْ عَقِبَيْك تَحْتَ أَلْيَتَيْك، وَأَقِمْ صُلْبَك، حَتَّى تَضَعَ كُلَّ عُضْوٍ مِنْك مَكَانَهُ، وَلَا تَنْقُرْ نَقْرَ الدِّيكِ، وَلَا تُقْعِ إقْعَاءَ الْكَلْبِ، وَلَا تَبْسُطْ ذِرَاعَيْك بَسْطَ الثَّعْلَبِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» انْتَهَى.
وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَالْعُقَيْلِيُّ بِكَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَسْنَدَا عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَسٍ، قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: كَثِيرُ بْنُ سُلَيْمٍ، لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ. انتهى.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِهِ تَارِيخُ مَكَّةَ: حَدَّثَنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ ثَنَا عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَجَاءَهُ رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْصَارِيٌّ، وَالْآخَرُ: ثَقَفِيٌّ، فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ الثَّقَفِيُّ، فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا أَخَا ثَقِيفٍ سَلْ عَنْ حَاجَتِك، وَإِنْ شِئْت أَخْبَرْتُك عَنْهَا، قَالَ: فَذَاكَ أَعْجَبُ إلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: جِئْت تَسْأَلُ عَنْ صَلَاتِك، قَالَ: إي وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، قَالَ: فَصَلِّ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ، وَنَمْ وَسَطَهُ، فَإِذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَرَكَعْت، فَضَعْ يَدَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك، وَفَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِك، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عُضْوٍ إلَى مَفْصِلِهِ، وَإِذَا سَجَدْت فَأَمْكِنْ جَبْهَتَك مِنْ الْأَرْضِ، وَلَا تَنْقُرْ، وَصُمْ اللَّيَالِيَ الْبِيضَ: ثَلَاثَ عَشَرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشَرَةَ، وَخَمْسَ عَشَرَةَ»، إلَى آخِرِهِ.
وَرَوَى نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ»، فَذَكَرَهُ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«أَنَّهُ رَكَعَ، فَوَضَعَ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ»، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَفِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: «وَإِذَا رَكَعْت فَضَعْ رَاحَتَيْك عَلَى رُكْبَتَيْك»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَالِمٍ الْبَرَّادِ، قَالَ: أَتَيْنَا عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ أَبَا مَسْعُودٍ، فَقُلْنَا لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَقَامَ بَيْنَ أَيْدِينَا فِي الْمَسْجِدِ، فَكَبَّرَ، فَلَمَّا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ»، الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَكَذَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي»، مُخْتَصَرٌ.
وَوَهِمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ فِي عَزْوِ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتِّرْمِذِيِّ، مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ طَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَأَدْخَلَهُمَا بَيْنَ فَخْذَيْهِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَمَنْسُوخٌ بِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: صَلَّيْت إلَى جَنْبِ أَبِي، فَطَبَّقْت بَيْنَ كَفَّيَّ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخْذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي، وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ. انتهى.
وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ دَالٌّ عَلَى النَّسْخِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ الرُّكَبَ سُنَّةٌ لَكُمْ، فَخُذُوا بِالرُّكَبِ. انتهى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي حُمَيْدٍ، وَأَبِي أَسِيد، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، وَأَبِي مَسْعُودٍ. انتهى.
(وَيَبْسُطُ ظَهْرَهُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كَانَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ».
قُلْت: وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَاشِدٍ، قَالَ: سَمِعْت وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ، يَقُولُ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» انْتَهَى.
وَرَوَى أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ بَسَطَ ظَهْرَهُ، وَإِذَا سَجَدَ وَجَّهَ أَصَابِعَهُ قِبَلَ الْقِبْلَةِ» انْتَهَى.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ثَنَا سَلَّامٍ الطَّوِيلُ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ وَابِصَةَ سَوَاءٌ، وَرُوِيَ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثَنَا صَالِحُ بْنُ زِيَادٍ السُّوسِيُّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ وَابِصَةَ.
(وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسُهُ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ إذَا رَكَعَ لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ وَلَا يُقْنِعُهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَكَعَ لَا يُصَوِّبُ رَأْسَهُ، وَلَا يُقْنِعُهُ».
قُلْت: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: سَمِعْته، وَهُوَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ: أَبُو قَتَادَةَ بْنُ رِبْعِيٍّ، يَقُولُ: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَرَكَعَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ، فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَقْنَعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ»، الْحَدِيثَ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ بِهِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَفِيهِ: «وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ»، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ: «ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَضَعُ رَاحَتَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَعْتَدِلُ، فَلَا يَصُبُّ رَأْسَهُ، وَلَا يُقْنِعُ».
(وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ، فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» انْتَهَى.
بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَابْنِ مَاجَهْ، وَلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: قَالَ: «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ، فَقَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا مُرْسَلٌ، عَوْنٌ لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، عَوْنٌ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ. انتهى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا: إنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ: أَدْنَى الْكَمَالِ. انتهى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَمِّهِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ} قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، قَالَ: وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةٍ غَيْرِ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ، وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. انتهى.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ عَنْ عُقْبَةَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ فِيهِ: قَالَ: «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ، قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ نَخَافُ أَنْ لَا تَكُونَ مَحْفُوظَةً. انْتَهَى.
وهَذِهِ الزِّيَادَةُ رَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَيُرَاجَعُ الْمُعْجَمُ.
(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَقُولُ الْمُؤْتَمُّ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا: يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ» وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» هَذِهِ قِسْمَةٌ، وَإِنَّهَا تُنَافِي الشَّرِكَةَ، وَلِهَذَا لَا يَأْتِي الْمُؤْتَمُّ، بِالتَّسْمِيعِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ يَقَعُ تَحْمِيدُهُ بَعْدَ تَحْمِيدِ الْمُقْتَدِي، وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ (وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَ يُرْوَى الِاكْتِفَاءُ بِالتَّسْمِيعِ، وَيُرْوَى بِالتَّحْمِيدِ، وَالْإِمَامُ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ آتٍ بِهِ مَعْنًى.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ يَعْنِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ، وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا»، الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ، فِي حَدِيثٍ: «كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ»، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَفِيهِ: وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ»، مُخْتَصَرٌ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَبَّرَ اسْتَفْتَحَ، ثُمَّ قَالَ: وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُك، ظَلَمْت نَفْسِي، وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْك»، وَكَانَ إذَا رَكَعَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت، وَبِك آمَنْت، وَلَك أُسْلِمُ، خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعِظَامِي وَعَصَبِي»، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ، قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ»، وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت، وَبِك آمَنْت، وَلَك أَسْلَمْت، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلْقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.
أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنِ، فَدَخَلْنَا، نَعُودُهُ، فَحَضَرْت الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْنَا، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ» انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ أَيْضًا إلَّا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٌّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلَهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ» انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ، فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقُولُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. انتهى.
قَالَ (ثُمَّ إذَا اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ وَسَجَدَ) أَمَّا التَّكْبِيرُ وَالسُّجُودُ فَلِمَا بَيَّنَّا.
وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ قَائِمًا فَلَيْسَ بِفَرْضٍ، وَكَذَا الْجِلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُفْتَرَضُ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «قُمْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» قَالَهُ لَأَعْرَابِيٍّ حِينَ أَخَفَّ الصَّلَاةَ.
وَلَهُمَا أَنَّ الرُّكُوعَ هُوَ الِانْحِنَاءُ، وَالسُّجُودُ هُوَ الِانْخِفَاضُ لُغَةً فَتَتَعَلَّقُ الرُّكْنِيَّةُ بِالْأَدْنَى فِيهِمَا، وَكَذَا فِي الِانْتِقَالِ، إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَفِي آخِرِ مَا رُوِيَ تَسْمِيَتُهُ إيَّاهُ صَلَاةً حَيْثُ قَالَ: «وَمَا نَقَصْت مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ نَقَصْت مِنْ صَلَاتِك» ثُمَّ الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا الطُّمَأْنِينَةُ فِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاجِبَةٌ حَتَّى تَجِبَ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهَا سَاهِيًا عِنْدَهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَعْرَابِيٍّ أَخَفَّ الصَّلَاةَ: «قُمْ صَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ»، وَفِي آخِرِهِ: «وَمَا نَقَصْت مِنْ هَذِهِ شَيْئًا، فَقَدْ نَقَصْت مِنْ صَلَاتِك».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد،وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي كُتُبِهِمْ، قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ ثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ (ح) وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي، قَالَ: إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا»، قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: «فَإِذَا فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، وَمَا انْتَقَصْت مِنْ هَذَا، فَإِنَّمَا انْتَقَصْتَهُ مِنْ صَلَاتِك» انْتَهَى ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ ثَنَا إسْمَاعِيلُ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَّقِيَّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَصَّ هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ فِيهِ: «فَتَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ، ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ، ثُمَّ كَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ بِهِ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ»، وَقَالَ فِيهِ: «وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٌ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا، قَالَ رِفَاعَةُ: وَنَحْنُ مَعَهُ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ كَالْبَدْوِيِّ، وَصَلَّى، فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: وَعَلَيْك، ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَعَلَيْك، ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ ذَلِكَ: فَأَرِنِي وَعَلِّمْنِي، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُصِيبُ وَأُخْطِئُ، فَقَالَ: أَجَلْ، إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ بِهِ، ثُمَّ تَشَهَّدْ، فَأَقِمْ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ، ثُمَّ ارْكَعْ فَاطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ اعْتَدِلْ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ فَاعْتَدِلْ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ فَاطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ قُمْ، فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، وَإِنْ انْتَقَصْت مِنْهُ شَيْئًا انْتَقَصْت مِنْ صَلَاتِك» انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، انْتَهَى.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: أَخْبَرَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنُ خَلَّادِ بْنِ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَمٍّ لَهُ بَدْرِيٌّ، قَالَ «كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صَلَاتِهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ، حَتَّى كَانَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ، أَوْ الرَّابِعَةِ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ لَقَدْ جَهَدْت، فَأَرِنِي، وَعَلِّمْنِي، قَالَ: إذَا أَرَدْت أَنْ تُصَلِّيَ، فَتَوَضَّأَ، فَأَحْسِنْ وُضُوءَك، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ، ثُمَّ ارْكَعْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ، حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَاعِدًا، ثُمَّ اُسْجُدْ، حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ، فَإِذَا أَتْمَمْت صَلَاتَك عَلَى هَذَا، فَقَدْ تَمَّتْ، وَمَا انْتَقَصْت مِنْ هَذَا فَإِنَّمَا، تَنْقُصُهُ مِنْ صَلَاتِك» انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الطُّمَأْنِينَةِ، لِأَنَّهُ سَمَّاهَا صَلَاةً، وَالْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ صَلَاةً، وَأَوْلَى مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ وَصَفَهَا بِالنَّقْصِ، وَالْبَاطِلَةُ إنَّمَا تُوصَفُ بِالزَّوَالِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَبِي دَاوُد فِي الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ: «وَمَا انْتَقَصَتْ مِنْ هَذَا، فَإِنَّمَا تَنْقُصُهُ مِنْ صَلَاتِك»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ: وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاسْمُ أَبِيهِ كَيْسَانُ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ:
أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ الْأَزْدِيِّ، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ:
أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَلِيٍّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ شَيْبَانُ حَدَّثَهُ «أَنَّهُ خَرَجَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَصَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَحَ بِمُؤَخِّرِ عَيْنِهِ إلَى رَجُلٍ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَالْعِجْلِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعًا وَلَا سُجُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ دَعَاهُ حُذَيْفَةُ، فَقَالَ لَهُ: مُنْذُ كَمْ صَلَّيْت هَذِهِ الصَّلَاةَ، قَالَ: صَلَّيْتهَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْت لِلَّهِ صَلَاةً، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَوْ مِتّ مِتّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
(وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) لِأَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَسَجَدَ، وَادَّعَمَ عَلَى رَاحَتَيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٌ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَسَجَدَ، وَادَّعَمَ عَلَى رَاحَتَيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ».
قُلْت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: «وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ السُّجُودَ، فَسَجَدَ، فَادَّعَمَ عَلَى كَفَّيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ: «أَنَّهُ وَصَفَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ» انْتَهَى.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي تَوْبَةَ عَنْ شَرِيكٍ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٌ عَنْ شَرِيكٍ بِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. انتهى.
قَالَ (وَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ كَذَلِكَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَجَدَ، وَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ».
قُلْت: لَمْ أَجِدْهُ إلَّا مُفَرَّقًا، فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ صَدْرَهُ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فَوَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ»، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ بَاقِيَهُ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، قَالَ: «رَمَقْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ بِهِ، وَلَفْظُهُ: «كَانَتْ يَدَاهُ حَذْوَ أُذُنَيْهِ»،وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ»، أَخْرَجَهُ عَنْ فُلَيْحِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُمَا: «كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ»، انْتَهَى.
قَالَ شَيْخُنَا الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ: وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ، وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ، فَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ، فَضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو دَاوُد، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَالسَّاجِيُّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِهِ. انْتَهَى.
وَيُكْتَبُ كَلَامُ الذَّهَبِيِّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ يُرْشِدُ إلَى مَذْهَبِنَا، قَالَ: مَنْ وَضَعَ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَانَتْ يَدَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، أَيْنَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ جَبْهَتَهُ إذَا صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ كَفَّيْهِ. انتهى.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَنْ ذَهَبَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ إلَى أَنَّهُمَا يَكُونَانِ حِيَالَ الْمَنْكِبَيْنِ، يَقُولُ بِهِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُمَا يَكُونَانِ حِيَالَ الْأُذُنَيْنِ، يَقُولُ بِهِ أَيْضًا فِي السُّجُودِ، وَلَمْ يُجِبْ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِشَيْءٍ.
قَالَ: (وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهِ.
(فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السُّجُودَ يَتَحَقَّقُ بِوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ، إلَّا أَنَّ الْخَدَّ وَالذَّقَنَ خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا رُوِيَ الْوَجْهُ فِي الْمَشْهُورِ، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا، لِتَحَقُّقِ السُّجُودِ بِدُونِهِمَا، وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ فَرِيضَةٌ فِي السُّجُودِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ وَاظَبَ عَلَى السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ».
قُلْت: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: «ثُمَّ سَجَدَ، فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَلَفْظُهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ مَعَ جَبْهَتِهِ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي قُتَيْبَةَ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يُصِيبُ الْجَبِينُ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ إلَّا أَبُو قُتَيْبَةَ، وَالصَّوَابُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: أَبُو قُتَيْبَةَ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ، وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ حُمْرَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ عَاصِمٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَلْصَقْ أَنْفَهُ مَعَ جَبْهَتِهِ بِالْأَرْضِ إذَا سَجَدَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ» انْتَهَى.
وَأَعَلَّهُ بِالضِّحَاكِ بْنِ حُمْرَةَ، أَسْنَدَ إلَى النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ نَاشِبِ بْنِ عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ ثَنَا مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِهِ تُصَلِّي، وَلَا تَضَعُ أَنْفَهَا بِالْأَرْضِ، فَقَالَ: يَا هَذِهِ ضَعِي أَنْفَك بِالْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يَضَعُ أَنْفَهُ بِالْأَرْضِ مَعَ جَبْهَتِهِ فِي الصَّلَاةِ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَنَاشِبٌ ضَعِيفٌ، وَلَا يَصِحُّ مُقَاتِلٌ عَنْ عُرْوَةَ انْتَهَى.
لَيْسَ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ إلَّا الْأَوَّلُ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لَهُمْ: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْجَدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، فَذَكَرَهَا»، قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَالْمَذْكُورُ فِيمَا رُوِيَ الْوَجْهُ فِي الْمَشْهُورِ.
قُلْت: رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ، وَكَفَّاهُ، وَرُكْبَتَاهُ، وَقَدَمَاهُ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: «أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَاب».
قَالَ الْبَزَّارُ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَعْدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَغَيْرُهُمْ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: آرَابٌ، إلَّا الْعَبَّاسُ. انتهى.
قُلْت: قَالَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْهُ مَرْفُوعًا: أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ، وَرُبَّمَا قَالَ: أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ. انتهى.
وَقَالَهَا سَعْدٌ أَيْضًا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرَ الْعَبْدُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ»، فَذَكَرَهَا بِلَفْظِ السُّنَنِ، وَزَادَ: أَيُّهَا لَمْ يَضَعْهُ فَقَدْ انْتَقَصَ. انتهى.
وَأَخْطَأَ الْمُنْذِرِيُّ إذْ عَزَا فِي مُخْتَصَرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِمَا لَفْظَةُ: الْآرَابِ أَصْلًا، وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْعَبَّاسِ: «إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ» عَزَاهُ جَمَاعَةٌ إلَى مُسْلِمٍ، مِنْهُمْ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ، وَالْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي جَامِعِ الْمَسَانِيدِ وَفِي التَّحْقِيقِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَفْظَةَ الْآرَابِ فِي مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَى أَلْفَاظِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَالْمُوَطَّأِ، فَأَنْكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ: قَالَ الْمَازِرِيُّ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ»، قَالَ الْهَرَوِيُّ: «الْآرَابُ» الْأَعْضَاءُ، وَاحِدُهَا: أَرَبٌ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمْ تَقَعْ عِنْدَ شُيُوخِنَا فِي مُسْلِمٍ، وَلَا هِيَ فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْنَا، وَاَلَّتِي فِي كِتَابِ مُسْلِم سَبْعَةُ أَعْظُمٍ، انْتَهَى.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمْ سَبَقَ بِالْوَهْمِ، فَتَبِعَهُ الْبَاقُونَ، وَهُوَ مَحَلُّ اشْتِبَاهٍ، فَإِنَّ الْعَبَّاسَ يَشْتَبِهُ بِابْنِ عَبَّاسٍ: «وَسَبْعَةُ آرَابٍ» قَرِيبٌ مِنْ «سَبْعَةِ أَعْظُمٍ».
قَالَ: (فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ جَازَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ، أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ».
قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ. انتهى.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ: قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ ضَعِيفٌ. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْحَافِظُ الصُّوفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ ثَنَا لَاحِقُ بْنُ الْهَيْثَمِ ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَيْرُوزَ الْمِصْرِيُّ ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ عَنْ أَبِيهِ أَدْهَمَ بْنِ مَنْصُورٍ الْعِجْلِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمَوَيْةَ الْجَوْهَرِيُّ الْأَهْوَازِيُّ ثَنَا مَعْمَرُ بْنُ سُهَيْلٍ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَنْبَسَةَ عَنْ فَائِدٍ أَبِي الْوَرْقَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ» انْتَهَى.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى، إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ» انْتَهَى.
وَضُعِّفَ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ الْجُعْفِيُّ، مِنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَوَافَقَهُمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْعِلَلُ حَدَّثَنَا أَبِي ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ بَكْرِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ سِيَاهٍ ثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ» انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبِي: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ تَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيّ فِي فَوَائِدِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْحُصَيْنِ الطَّرَسُوسِيُّ ثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدِ ثَنَا سُوَيْد عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ» انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ»، فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ شَيْءٌ. انتهى.
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ، وَيَسْجُدُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَى عِمَامَتِهِ. انتهى.
وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ. انتهى.
وَلِلْخَصْمِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَيْوَانَ السَّبَائِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسْجُدُ إلَى جَنْبِهِ، وَقَدْ اعْتَمَّ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَبْهَتِهِ» انْتَهَى.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: صَالِحُ بْنُ خَيْوَانَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، مَنْ قَالَ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ فَقَدْ أَخْطَأَ، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ حُجَّةٌ.
وَيُرْوَى «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا».
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ، وَبَرْدَهَا».
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ، وَبَرْدَهَا»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَضَعَّفَهُ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، فَإِنِّي لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا قَدْ جَاوَزَ الْمِقْدَارَ، قَالَ: وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ، مَدِينِيٌّ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. انْتَهَى.
وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ» انْتَهَى.
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ» انْتَهَى.
(وَيُبْدِي ضَبْعَيْهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَأَبْدِ ضَبْعَيْك» وَيُرْوَى «وَأَبِّدْ» مِنْ الْإِبْدَادِ، وَهُوَ الْمَدُّ، وَالْأَوَّلُ مِنْ الْإِبْدَاءِ، وَهُوَ الْإِظْهَارُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَأَبْدِ ضَبْعَيْك».
قُلْت: قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَيُرْوَى «وَأُبِدَّ» مِنْ الْإِبْدَادِ، وَهُوَ الْمَدُّ، وَالْأَوَّلُ مِنْ الْإِبْدَاءِ، وَهُوَ الْإِظْهَارُ، انْتَهَى.
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَكْرِيِّ، قَالَ رَآنِي ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَا أُصَلِّي لَا أَتَجَافَى عَنْ الْأَرْضِ بِذِرَاعِي، فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي لَا تَبْسُطْ بَسْطَ السَّبُعِ، وَادَّعِمْ عَلَى رَاحَتَيْك، وَأُبْدِ ضَبْعَيْك، فَإِنَّك إذَا فَعَلْت ذَلِكَ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْك. انتهى.
وَرَفَعَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، بِلَفْظِ: «وَجَافِ عَنْ ضَبْعَيْك»، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَهُ كِلَاهُمَا بِتَمَامِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَا تَبْسُطْ بَسْطَ السَّبُعِ»، إلَى آخِرِهِ.
(وَيُجَافِي بَطْنَهُ عَنْ فَخْذَيْهِ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى حَتَّى إنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ» وَقِيلَ: إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يُجَافِي كَيْ لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى، حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى، حَتَّى لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ» انْتَهَى.
وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ أَنْ تَمُرَّ تَحْتَ يَدَيْهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَقَالَا فِيهِ بَهِيمَةٌ بِالْيَاءِ، وَرَأَيْت عَلَى الْبَاءِ ضَمَّةً بِخَطِّ بَعْضِ الْحُفَّاظِ، تَصْغِيرُ بَهْمَةٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَ فَتْحُ الْبَاءِ فِيهِ خَطَأٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ فِيهِ: بَهِيمَةٌ يَعْنِي أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَاهُ بِلَفْظِ بَهِيمَةٍ وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَالْبَهْمُ: بِفَتْحِ الْبَاءِ صِغَارُ أَوْلَادِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى أَوْلَادِ الضَّأْنِ، وَخَصَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَوْلَادِ الْمَعْزِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْبَهْمَةُ: تَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلرَّاعِي: «مَا وَلَدَتْ؟ قَالَ: بَهْمَةٌ»، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلْأُنْثَى، وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ الِاسْتِنْثَارِ، مِنْ حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُو بَيَاضُ إبْطَيْهِ» انْتَهَى.
وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ أَحْمَرَ بْنِ جَزْءٍ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، حَتَّى نَأْوِيَ لَهُ» انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
(وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذَا سَجَدَ الْمُؤْمِنُ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا سَجَدَ الْمُؤْمِنُ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ، فَلِيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ».
قُلْت: غَرِيبٌ، اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَوْجِيهِ أَصَابِعِ الرَّجُلِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ الْقَدَمَ الْيُمْنَى وَاسْتِقْبَالَهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ، وَالْجُلُوسَ عَلَى الْيُسْرَى. انتهى.
وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ الِاسْتِقْبَالِ بِأَطْرَافِ الْقَدَمِ الْقِبْلَةَ عِنْدَ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ «كُنْت أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَيْتُهُ إذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ، وَلَا قَابِضَهُمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» انْتَهَى.
(وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَإِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» أَيْ أَدْنَى كَمَالِ الْجَمْعِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بَعْدَ أَنْ يَخْتِمَ بِالْوِتْرِ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ» وَإِنْ كَانَ إمَامًا لَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ يُمِلُّ الْقَوْمَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى التَّنْفِيرِ، ثُمَّ تَسْبِيحَاتُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سُنَّةٌ لِأَنَّ النَّصَّ تَنَاوَلَهُمَا دُونَ تَسْبِيحَاتِهِمَا، فَلَا يُزَادُ عَلَى النَّصِّ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى»، تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ» يَعْنِي فِي تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا، قَوْلُهُ: «ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ»، لِمَا رَوَيْنَا، يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: «كَانَ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ».
(وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ فِي سُجُودِهَا وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا بِفَخْذَيْهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا.
قَالَ: (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُكَبِّرُ) لِمَا رَوَيْنَا (فَإِذَا اطْمَأَنَّ جَالِسًا كَبَّرَ، وَسَجَدَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ: «ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى تَسْتَوِيَ جَالِسًا» وَلَوْ لَمْ يَسْتَوِ جَالِسًا وَكَبَّرَ وَسَجَدَ أُخْرَى أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَتَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلسُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا، وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبُ جَازَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا فَتَتَحَقَّقُ الثَّانِيَةُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ: «ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى تَسْتَوِيَ جَالِسًا».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَفْظُهُمْ فِيهِ: «ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا»، وَعِنْدَ النَّسَائِيّ: «ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَك حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَاعِدًا»، وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ: «حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا».
قَالَ: (فَإِذَا اطْمَأَنَّ سَاجِدًا كَبَّرَ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (وَاسْتَوَى قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَلَا يَقْعُدُ، وَلَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يَنْهَضُ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ ذَلِكَ.
وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ قِعْدَةُ اسْتِرَاحَةٍ، وَالصَّلَاةُ مَا وُضِعَتْ لَهَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيثُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ إلَى مَسْجِدِنَا، فَقَالَ: «وَاَللَّهِ إنِّي لِأُصَلِّيَ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ، كَيْفَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، قَالَ: فَقَعَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْآخِرَةِ».
قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْت لِأَبِي قِلَابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلُ شَيْخِنَا هَذَا، وَكَانَ الشَّيْخُ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى. انتهى.
زَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ: وَالشَّيْخُ هُوَ إمَامُهُمْ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ. انْتَهَى.
قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ إيَاسٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَخَالِدُ بْنِ إيَاسٍ، وَيُقَالُ: ابْنُ إلْيَاسَ، ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. انتهى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِخَالِدٍ، وَأَسْنَدَ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، قَالَ: وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. انتهى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَالْأَمْرُ الَّذِي أُعِلَّ بِهِ خَالِدٌ هُوَ مَوْجُودٌ فِي صَالِحٍ، وَهُوَ الِاخْتِلَاطُ، قَالَ: فَإِذَنْ لَا مَعْنَى لِتَضْعِيفِ الْحَدِيثِ بِخَالِدٍ، وَتَرْكِ صَالِحٍ، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ اخْتِلَاطَ صَالِحٍ، وَاعْتِبَارَ قَدِيمِ حَدِيثِهِ مِنْ حَدِيثِهِ، وَخَالِدٌ لَا يَعْرِفُ مَتَى أَخَذَ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَفِي التَّحْقِيقِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ، قَالَ أَحْمَدُ: خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. انتهى.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَلَمْ يَجْلِسْ»، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَذَا عَنْ عُمَرَ، وَأَخْرَجَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُونَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ: وَأَخْرَجَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، قَالَ: أَدْرَكْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إذَا رَفَعَ أَحَدُهُمْ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ نَهَضَ كَمَا هُوَ، وَلَمْ يَجْلِسْ. انتهى.
وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَجْلِسُ إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ السُّجُودَ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَبَا سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ يَقُومُونَ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ فِي الصَّلَاةِ. انتهى.
وَقَالَ: هُوَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ صَحِيحٌ، وَعَطِيَّةُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، انْتَهَى.
(وَيَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) لِأَنَّهُ تَكْرَارُ الْأَرْكَانِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُشْرَعَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
(وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الرُّكُوعِ وَفِي الرَّفْعِ مِنْهُ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، وَتَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ، وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ» وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ فِي الْحَجِّ، وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ الرَّفْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، وَتَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ، وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ»، وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ فِي الْحَجِّ.
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِنَقْصٍ وَتَغْيِيرٍ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَلَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، وَحِينَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ، وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الصَّفَا، وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَحِينَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَبِجَمْعٍ، وَالْمَقَامَيْنِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ» انْتَهَى حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ ثَنَا عَمْرُو بْنُ يَزِيدَ أَبُو يَزِيدَ الْجَرْمِيِّ ثَنَا سَيْفُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السُّجُودُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ: الْيَدَيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالْجَبْهَةِ، وَرَفْعُ الْأَيْدِي إذَا رَأَيْت الْبَيْتَ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَبِعَرَفَةَ، وَعِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَإِذَا قُمْتَ لِلصَّلَاةِ» انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الْأَوَّلَ مُعَلَّقًا فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاح الصَّلَاةِ، وَفِي اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَبِعَرَفَاتٍ، وَبِجَمْعٍ، وَفِي الْمَقَامَيْنِ، وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ»، ثُمَّ قَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَغَيْرُ مَحْفُوظٍ، لِأَنَّ أَصْحَابَ نَافِعٍ خَالَفُوا، وَأَيْضًا فَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ، وَتَكْبِيرِ الْقُنُوتِ، وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ: تُرْفَعُ الْأَيْدِي، لَا يَمْنَعُ رَفْعَهُ فِيمَا سِوَى هَذِهِ السَّبْعَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ، وَالصَّفَ، وَالْمَرْوَةِ، وَالْمَوْقِفَيْنِ، وَعِنْدَ الْحَجَرِ». انْتَهَى.
قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مَوْقُوفًا، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، وَإِنَّمَا قَالَ: تُرْفَعُ الْأَيْدِي، وَلَمْ يَقُلْ: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْتُ: رَوَاهُ مَوْقُوفًا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ. وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي جَمْعٍ، وَفِي عَرَفَاتٍ، وَعِنْدَ الْجِمَارِ. انتهى.
حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَا يُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ: وَإِذَا جِئْتَ مِنْ بَلَدٍ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْبَيْتَ، وَإِذَا قُمْتَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَبِعَرَفَاتٍ، وَبِجَمْعٍ، وَعِنْدَ الْجِمَارِ». انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ».
وَبِإِسْنَادِهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: «تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَبِعَرَفَاتٍ، وَبِجَمْعٍ، وَفِي الْمَقَامَيْنِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ».
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: تَفَرُّدُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَتَرْكُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ.
وَثَانِيهَا: رِوَايَةُ وَكِيعٍ عَنْهُ بِالْوَقْفِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَوَكِيعٌ أَثْبَتُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
وَثَالِثُهَا: رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَبَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَقَدْ أَسْنَدَاهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ شُعْبَةَ، قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْهَا.
وَخَامِسُهَا: عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: إنَّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِيهَا، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ: لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ صَحِيحًا، وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ بِالرَّفْعِ فِي غَيْرِهَا كَثِيرًا: مِنْهَا الِاسْتِسْقَاءُ، وَدُعَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَفْعُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ، وَأَمْرُهُ بِهِ.
وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَفْعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ، وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَبِجَمْعٍ، وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ» انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، مَرَّةً مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا، وَمَرَّةً مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ ذِكْرِ الْمَيِّتِ، قَالَ: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَا غَيْرُ قَوِيٍّ. انتهى.
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ حَمَلَ مَا رُوِيَ مِنْ الرَّفْعِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَلَفْظُهُ فِي الْكِتَابِ: وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ الرَّفْعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، فَقَالَ: وَزَعَمَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّفْعِ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثَيْنِ: رَوَوْا أَحَدَهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ كُلَّمَا رَكَعَ، وَكُلَّمَا رَفَعَ، ثُمَّ صَارَ إلَى افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ».
وَالثَّانِي: رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَرْفَعُ يَدَيْهِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: مَهْ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَرَكَهُ».
قَالَ: وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَا يُعْرَفَانِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ مَيْمُونٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ الزُّبَيْرِ وَصَلَّى بِهِمْ يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ وَحِينَ يَرْكَعُ، وَحِينَ يَسْجُدُ، قَالَ: فَذَهَبْتُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَدِ بِصَلَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَى النَّسْخِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الْمَنْسُوخِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ لِلشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» انْتَهَى.
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: إنَّمَا هُوَ تَوَهُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ، أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّهْوِ، كَبَعْضِ مَا يَسْهُو الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَدَعُ مَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ طَاوُسٍ، وَسَالِمٍ، وَنَافِعٍ، وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَلَوْ صَحَّتْ رِوَايَةُ مُجَاهِدٍ لَكَانَتْ رِوَايَةُ هَؤُلَاءِ أَوْلَى، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَاتِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَحَادِيثُ أَصْحَابِنَا:
مِنْهَا حَدِيثُ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَاعْتَرَضَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: وَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَدِيثِ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَنَحْنُ نَرْفَعُ أَيْدِيَنَا فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ»، وَهَذَا إنَّمَا كَانَ فِي التَّشَهُّدِ لَا فِي الْقِيَامِ، فَفَسَّرَهُ رِوَايَةُ عَبْدُ اللَّهُ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ، قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: «كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَؤُلَاءِ يُومِئُونَ بِأَيْدِيهِمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟، إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمِنْ عَنْ شِمَالِهِ» انْتَهَى.
وَهَذَا قَوْلٌ مَعْرُوفٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لَكَانَ الرَّفْعُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَيْضًا مَنْهِيًّا عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ رَفْعًا دُونَ رَفْعٍ، بَلْ أَطْلَقَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ هَذِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ، قَالَ: «مَا بَالُ هَؤُلَاءِ يُسَلِّمُونَ بِأَيْدِيهِمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟»، الْحَدِيثَ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُمَا حَدِيثَانِ لَا يُفَسَّرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، كَمَا جَاءَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا النَّاسُ رَافِعِي أَيْدِيهِمْ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ»، وَاَلَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ، إنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ حَالَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا فِي وَقْتٍ، كَمَا شَاهَدَهُ، وَرَوَى الْآخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ، كَمَا شَاهَدَهُ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُعْدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَصَلَّى، فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ» انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ: فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَعَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ أَيْضًا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَعَلْقَمَةُ، فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ. انتهى.
وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأُمُورٍ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، وَثَبَتَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَفَعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْمُبَارَكِ: لَمْ يَسْمَعْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عَلْقَمَةَ. انتهى.
وَمِنْهَا تَضْعِيفُ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَالَ: عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ لَمْ يُخَرَّجْ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَ، وَكَانَ يَخْتَصِرُ الْأَخْبَارَ فَيُؤَدِّيهَا بِالْمَعْنَى، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ، ثُمَّ لَا يَعُودُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ فِي الْخَبَرِ، انْتَهَى.
وَالْجَوَابُ:
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعَدَمُ ثُبُوتِ الْخَبَرِ عِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ لَا يَمْنَعُ مِنْ النَّظَرِ فِيهِ، وَهُوَ يَدُورُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، قَالَ: وَقَوْلُ شَيْخِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ الْمُنْذِرِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ يَسْمَعْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلْقَمَةَ، فَغَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ، وَقَدْ تَتَبَّعْت هَذَا الْقَائِلَ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَلَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مَرَاسِيلِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَقَالَ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا، وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَلْقَمَةَ، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ مُرْسَلٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، وَقَالَ: إنَّهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، وَكَانَ سِنُّهُ سِنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، فَإِذَا كَانَ سِنُّهُ سِنَّ النَّخَعِيّ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ سَمَاعِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى سَمَاعِ النَّخَعِيّ مِنْهُ؟ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَن هَذَا، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ، وَعَلْقَمَةَ. انتهى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ: ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ وَكِيعٍ لَا يَصِحُّ، وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا النُّكْرُ فِيهِ عَلَى وَكِيعٍ زِيَادَةُ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، وَقَالُوا: إنَّهُ كَانَ يَقُولُهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَتَارَةً لَمْ يَقُلْهَا، وَتَارَةً أَتْبَعَهَا الْحَدِيثَ، كَأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، إلَّا هَذِهِ اللَّفْظَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ اعْتَنَى الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ بِتَضْعِيفِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قُلْتُ: قَدْ تَابَعَ وَكِيعًا عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَأَيْضًا، فَغَيْرُ ابْنِ الْقَطَّانِ يَنْسُبُ الْوَهْمَ فِيهَا لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ لَا لِوَكِيعٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَيُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ: نَظَرْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّ الْكِتَابَ أَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، انْتَهَى.
فَجَعَلَ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ سُفْيَانَ، لِأَنَّ ابْنَ إدْرِيسَ خَالَفَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَكَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ»، فَقَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، يُقَالُ: وَهَمَ فِيهِ الثَّوْرِيُّ، فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَكَعَ، فَطَبَّقَ، وَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ. انتهى.
فَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ جَعَلَا الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ سُفْيَانَ، وَابْنُ الْقَطَّانِ، وَغَيْرُهُ يَجْعَلُونَ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ وَكِيعٍ، وَهَذَا اخْتِلَافٌ يُؤَدِّي إلَى طَرْحِ الْقَوْلَيْنِ، وَالرُّجُوعِ إلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِوُرُودِهِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ تَضْعِيفُ عَاصِمٍ، فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، وَأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ، قَالَ فِيهِ: ثِقَةٌ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَوْلُ الْحَاكِمِ: إنَّ حَدِيثَهُ لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحِ، فَغَيْرُ صَحِيحٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيثَهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْهَدْيِ، وَحَدِيثُهُ عَنْهُ عَنْ عَلِيٍّ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ، وَاَلَّتِي يَلِيهَا»، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ التَّخْرِيجُ عَنْ كُلِّ عَدْلٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ هُوَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يُخَرَّجْ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ، وَقَالَ: هُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يُخَرَّجْ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحِ، أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ، فَلَيْسَ، ذَلِكَ بِعِلَّةٍ، وَإِلَّا لَفَسَدَ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ كُلُّهُ مِنْ كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرِكِ. انتهى.
طَرِيقٌ آخَرُ لِلْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، وَكَانَ ضَعِيفًا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَغَيْرُ حَمَّادٍ يَرْوِيهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ فِعْلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِسَنَدِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ تَكَلَّمَ فِيهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ مِنْ كُلِّ مَنْ يُذَاكِرُهُ، حَتَّى كَثُرَتْ الْمَنَاكِيرُ وَالْمَوْضُوعَاتُ فِي حَدِيثِهِ.
قَالَ الشَّيْخُ: أَمَّا قَوْلُهُ: إنَّهُ كَانَ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ مِنْ كُلِّ مَنْ يُذَاكِرُهُ، فَالْعِلْمُ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ مُتَعَذِّرٌ، وَأَمَّا إنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ، فَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَدِيٍّ: كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ يُفَضِّلُ مُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ عَلَى جَمَاعَةِ شُيُوخٍ هُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَأَوْثَقُ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ مِنْ الْكِبَارِ: أَيُّوبُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَلَوْلَا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُوَ دُونَهُمْ، وَقَدْ خُولِفَ فِي أَحَادِيثَ، وَمَعَ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ، فَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَمِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ضَعِيفٌ، انْتَهَى.
وَمِنْ النَّاسِ الْقَائِلِينَ بِالرَّفْعِ مَنْ سَلَكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا مَسْلَكَ الْبَحْثِ وَالْمُنَاظَرَةِ، فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ مَسْعُودٍ نَسِيَ الرَّفْعَ فِي غَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى كَمَا نَسِيَ فِي التَّطْبِيقِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَبْعَدَ أَصْحَابُنَا هَذَا مِنْ مِثْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَحَدَّثَهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: صَلَّيْنَا فِي مَسْجِدِ الْحَضْرَمِيِّينَ، فَحَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يَفْتَتِحُ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا سَجَدَ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: مَا أَرَى أَبَاهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ، فَحَفِظَ عَنْهُ ذَلِكَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يَحْفَظْهُ، وَإِنَّمَا رَفَعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَلَفْظُهُ: أَحَفِظَ وَائِلٌ، وَنَسِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ؟ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَزَادَ فِيهِ: فَإِنْ كَانَ رَآهُ مَرَّةً يَرْفَعُ، فَقَدْ رَآهُ خَمْسِينَ مَرَّةً لَا يَرْفَعُ. انتهى.
ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ: هَذِهِ عِلَّةٌ لَا يُسَاوَى سَمَاعُهَا، لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، ثُمَّ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَيْسَ فِي نِسْيَانِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِذَلِكَ مَا يُسْتَغْرَبُ، قَدْ نَسِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ بَعْدُ، وَهِيَ الْمُعَوِّذَتَانِ.
وَنَسِيَ مَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى نَسْخِهِ، كَالتَّطْبِيقِ، وَنَسِيَ كَيْفَ قِيَامُ الِاثْنَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ.
وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي وَقْتِهَا، وَنَسِيَ كَيْفِيَّةَ جَمْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ.
وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْمِرْفَقِ وَالسَّاعِدِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ، وَنَسِيَ كَيْفَ كَانَ يَقْرَأُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، وَإِذَا جَازَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَنْسَى مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ، كَيْفَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: كَلَامُ إبْرَاهِيمَ هَذَا ظَنٌّ مِنْهُ، لَا يَرْفَعُ بِهِ رِوَايَةَ وَائِلٍ، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، وَكَذَلِكَ رَأَى أَصْحَابَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ، كَمَا بَيَّنَهُ زَائِدَةُ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ ثَنَا أَبِي عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، وَفِي الرَّفْعِ مِنْهُ».
قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتهمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَرَأَيْتُ النَّاسَ فِي زَمَانِ بَرْدٍ، عَلَيْهِمْ جُلُّ الثِّيَابِ، تُحَرَّكُ أَيْدِيهِمْ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِ وَائِلٍ، لِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ، فَكَيْفَ يُرَدُّ حَدِيثُهُ بِقَوْلِ رَجُلٍ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ، وَخُصُوصًا، وَقَدْ رَوَاهُ مَعَهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ شَرِيكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ» انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ هُشَيْمِ، وَخَالِدٌ، وَابْنُ إدْرِيسَ عَنْ يَزِيدَ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ. انتهى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ:
أَحَدُهَا: إنْكَارُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى شَرِيكٍ، وَزَعَمُوا أَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ، فَلَمْ يَذْكُرُوهَا، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ تُوبِعَ شَرِيكٌ عَلَيْهَا، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ بِهِ، نَحْوُهُ، وَأَنَّهُ كَانَ تَغَيَّرَ بِآخِرِهِ، وَصَارَ يَتَلَقَّنُ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ، كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى سَاوَى بِهِمَا أُذُنَيْهِ»، فَقُلْتُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّكَ قُلْتَ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، قَالَ: لَا أَحْفَظُ هَذَا، ثُمَّ عَاوَدْتُهُ، فَقَالَ: لَا أَحْفَظُهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: سَمِعْتُ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ كَانَ يُذْكَرُ بِالْحِفْظِ، فَلَمَّا كَبِرَ سَاءَ حِفْظُهُ، فَكَانَ يُقَلِّبُ الْأَسَانِيدَ، وَيَزِيدُ فِي الْمُتُونِ، وَلَا يُمَيِّزُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ، بِسَنَدِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ وَاهٍ، قَدْ كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ يُحَدِّثُ بِهِ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ، فَلَا يَذْكُرُ فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، فَلَمَّا لُقِّنَ أَخَذَهُ، فَكَانَ يَذْكُرُهُ فِيهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ الصِّدْقِ، كُوفِيٌّ، يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَ أَبُو الْحَارِثِ الْقَرَوِيُّ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، جَيِّدُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ صِنْفًا، فَقَالَ فِيهِمْ: إنَّ السِّتْرَ وَالصِّدْقَ وَتَعَاطِيَ الْعِلْمِ يَشْتَمِلُهُمْ، كَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: الْمُعَارَضَةُ بِرِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ بِمَكَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ».
قَالَ سُفْيَانُ: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْكُوفَةَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، فَظَنَنْتهمْ لَقَّنُوهُ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ.
قَالَ الْحَاكِمُ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَاقَ هَذَا الْمَتْنَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرَ إبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ الرَّمَادِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، جَالَسَ ابْنَ عُيَيْنَةَ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ بِمِثْلِ لَفْظِ الْحَاكِمِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مِمَّنْ سَمِعَ يَزِيدُ قَدِيمًا: مِنْهُمْ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَزُهَيْرٌ، وَلَيْسَ فِيهِ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ. انتهى.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ كَانَ صَدُوقًا، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَبِرَ تَغَيَّرَ، فَكَانَ يُلَقَّنُ، فَيَتَلَقَّنُ، فَسَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِهِ الْكُوفَةَ فِي أَوَّلِ عُمْرِهِ سَمَاعٌ صَحِيحٌ، وَسَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فِي آخِرِ قُدُومِهِ الْكُوفَةَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، انْتَهَى.
طَرِيقٌ آخَرُ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ» انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَكَأَنَّهُ ضَعَّفَهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ مُعَلَّقًا، لَمْ يَصِلْ سَنَدَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى، هَذَا مِنْ حِفْظِهِ، فَأَمَّا مَنْ رَوَى عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ كِتَابِهِ، فَإِنَّمَا حَدَّثَ عَنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إلَى تَلْقِينِ يَزِيدَ، وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، قَدِيمًا، لَيْسَ فِيهِ: ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ لَمْ يَضْطَرِبْ لَفْظُهُ، فَتَرَجَّحَ خَبَرُهُ عَلَى خَبَرِ مَنْ اضْطَرَبَ لَفْظُهُ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ»، فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالْمَصِيرِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ»، لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَهُوَ قَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا يَقُولُ فِيهِ: ثُمَّ لَا يَعُودُ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْكُوفَةَ فَرَأَيْتُهُ يَرْوِيهِ، وَقَدْ زَادَ فِيهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ، لَقَّنُوهُ، فَتَلَقَّنَ، انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَلَقَّنَهَا، أَنَّ أَصْحَابَهُ الْقُدَمَاءَ لَمْ يُؤْثِرُوهَا عَنْهُ، مِثْلَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَهُشَيْمٍ، وَزُهَيْرٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا عَنْهُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِآخِرِهِ، وَكَانَ قَدْ تَغَيَّرَ وَاخْتَلَطَ، وَابْنُ أَبِي زِيَادٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْبَرَاءِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَضْعَفُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ ابْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ، فَقِيلَ: هَكَذَا، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقِيلَ: عَنْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، فَعَادَ الْحَدِيثُ إلَى يَزِيدَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: كَانَ أَبِي يُنْكِرُ حَدِيثَ الْحَكَمِ، وَعِيسَى، وَيَقُولُ: إنَّمَا هُوَ حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَابْنُ أَبِي زِيَادٍ لَيْسَ بِالْحَافِظِ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ الْخَرَّازِ ثَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ» انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ، فَقَدْ رَوَيْنَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ مَالِكٍ بِخِلَافِ هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا فِي غَرَائِبِ حَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ الشَّيْخُ: وَالْخَرَّازُ هَذَا بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، بَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ، آخِرَهُ زَايٌ مُعْجَمَةٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهَا فِي شَيْءٍ حَتَّى يَفْرُغَ» انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعَبَّادُ هَذَا تَابِعِي، فَهُوَ مُرْسَلٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ»، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ إلَى مَعْرِفَةِ الْإِكْلِيلِ فِي ذِكْرِ الْمَجْرُوحِينَ تَحْتَ تَرْجَمَةِ جَمَاعَةٍ وَضَعُوا الْحَدِيثَ فِي الْوَقْتِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ، قَالَ: وَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُكَاشَةَ الْكَرْمَانِيِّ: إنَّ قَوْمًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الرُّكُوعِ، وَبَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ» انْتَهَى.
قَالَ الْحَاكِمُ: فَكُلُّ مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا فِي نَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ، وَتَأَمَّلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلِمَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِإِسْنَادِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُكَاشَةَ بِهِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عُكَاشَةَ هَذَا كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمَأْمُونِ بْنِ أَحْمَدَ السُّلَمِيُّ ثَنَا الْمُسَيِّبُ بْنُ وَاضِحٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ فِي كِتَابِ التَّحْقِيقِ، وَنَقَلَ فِي الْكِتَابَيْنِ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ قَالَ: مَأْمُونٌ هَذَا كَانَ دَجَّالًا مِنْ الدَّجَاجِلَةِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمَا أَبْلَهَ مَنْ وَضَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْبَاطِلَةَ لِتُقَاوِمَ بِهَا الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، فَقَدْ رَوَى الرَّفْعَ مِنْ الصَّحَابَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَسَمَّى سِتَّةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا، قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ صِنَاعَتَهُ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ الِاحْتِجَاجُ بِالْأَبَاطِيلِ. انتهى.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: رَوَى الطَّحَاوِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَيَّاشِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، قَالَ: وَرَأَيْتُ إبْرَاهِيمَ.
وَالشَّعْبِيَّ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَهَذَا عُمَرُ لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَيْضًا إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، فَإِنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ، وَذَكَرَ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْهُ، انْتَهَى.
وَاعْتَرَضَهُ الْحَاكِمُ: بِأَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ لَا يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، وَلَا تُعَارَضُ بِهَا الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ طَاوُسٍ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: لَمْ يَعُدْ، ثُمَّ رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْجِيحِ رِوَايَةٍ لَا مِنْ بَابِ التَّضْعِيفِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ سُفْيَانَ لَمْ يَذْكُرْ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ فِيهِ: لَمْ يَعُدْ، فَضَعِيفٌ جِدًّا، لِأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ سُفْيَانُ فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ، وَاَلَّذِي رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ لَمْ تُعَارَضْ رِوَايَةُ مَنْ زَادَ بِرِوَايَةِ مَنْ تَرَكَ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ أَخُو أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْهُ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: الْحَسَنُ، وَأَخُوهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ كِلَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كِلَاهُمَا عِنْدِي ثِقَةٌ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ يَرْفَعُ. انتهى.
وَهُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ، وَحَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَصَحُّ. انتهى.
فَجَعَلَهُ دُونَ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ فِي الصِّحَّةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْخُصُومِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ: وَاخْتُلِفَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ فِيهِ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَهَمَ فِي رَفْعِهِ، وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ: مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُوسَى بْنُ دَاوُد، وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَغَيْرُهُمْ، فَرَوَوْهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عَاصِمٍ مَوْقُوفًا. انتهى.
فَجَعَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا صَوَابًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنَ عُمَرَ كَانَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا أَوَّلَ مَا يُكَبِّرَانِ، ثُمَّ لَا يَعُودَانِ. انتهى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: وَعَطِيَّةُ سَيِّئُ الْحَالِ، وَسَوَّارٌ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
وَعَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ، إلَّا فِي الِافْتِتَاحِ. انتهى.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَإِنْ قَالُوا: إنَّ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، قِيلَ لَهُمْ: كَانَ إبْرَاهِيمُ لَا يُرْسِلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إلَّا مَا صَحَّ عِنْدَهُ وَتَوَاتَرَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، كَمَا أَخْبَرَنَا، وَأَسْنَدَ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: إذَا حَدَّثْتَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَسْنِدْ، قَالَ: إذَا قُلْتُ لَك: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاعْلَمْ أَنِّي لَمْ أَقُلْهُ حَتَّى حَدَّثَنِيهِ جَمَاعَةٌ عَنْهُ، وَإِذَا قُلْتُ لَك: حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَهُوَ الَّذِي حَدَّثَنِي وَحْدَهُ عَنْهُ، قَالَ: وَمَذْهَبُنَا أَيْضًا قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى مَعَهَا رَفْعٌ، وَأَنَّ التَّكْبِيرَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَا رَفْعَ بَيْنَهُمَا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ.
وَتَكْبِيرَةِ الرَّفْعِ مِنْهُ، فَأَلْحَقَهُمَا قَوْمٌ بِالتَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، وَأَلْحَقَهُمَا قَوْمٌ بِتَكْبِيرَةِ السَّجْدَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّا رَأَيْنَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا الصَّلَاةُ، وَالتَّكْبِيرَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَيْسَتْ بِذَلِكَ، وَرَأَيْنَا تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ وَالنُّهُوضِ لَيْسَتَا مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ فَأَلْحَقْنَاهُمَا بِتَكْبِيرَةِ السَّجْدَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ:
مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ: قَالَ: رَأَيْتُ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَحِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» انْتَهَى.
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ فِيهِ: ثُمَّ كَبَّرَ، لَيْسَتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي رَفَعَهَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَفَهَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: فَمِنْهَا مَا جَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ.
وَمِنْهَا مَا جَعَلَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ، وَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ سَالِمٍ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ النَّاسُ فِيهَا إلَى نَافِعٍ، فَهَذَا أَحَدُهَا.
وَالثَّانِي: حَدِيثُ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ».
وَالثَّالِثُ: حَدِيثُ: «النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ».
وَالرَّابِعُ: حَدِيثُ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ»، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا مِنْ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ»، وَمِنْ جِهَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ بِهِ مَرْفُوعًا أَيْضًا، رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ. انتهى.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِهِ: هَكَذَا يَقُولُهُ عَبْدُ الْأَعْلَى، وَأَوْمَأَ إلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ، وَقَالَ: خَالَفَهُ ابْنُ إدْرِيسَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وَالْمُعْتَمِرُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، فَذَكَرَهُ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ. انتهى.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد بَعْد تَخْرِيجِ رِوَايَةِ عَبْدِ الْأَعْلَى هَذِهِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَيْضًا، فَوَقَفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَعَنْ هَذَا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: الرُّجُوعُ إلَى الطَّرِيقَةِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأُصُولِيَّةِ فِي قَبُولِ زِيَادَةِ الْعَدْلِ الثِّقَةِ إذَا تَفَرَّدَ بِهَا، وَعَبْدُ الْأَعْلَى مِنْ الثِّقَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ.
الثَّانِي: أَنَّ عَبْدَ الْأَعْلَى لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا، فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ لَمَّا ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، قَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى هَكَذَا، وَتَابَعَهُ مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَةَ مُعْتَمِرٍ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ رِوَايَةَ مُعْتَمِرٍ فِي سُنَنِهِ نَحْوَ الْبَيْهَقِيّ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُ عَامَّةُ الرُّوَاةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ، وَلَعَلَّ الْخَطَأَ مِنْ غَيْرِهِ. انتهى.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ»، انْتَهَى.
لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الرَّفْعَ فِي الرُّكُوعِ، هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ: مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر، وَالْقَعْنَبِيُّ، وَأَبُو مُصْعَبٍ، وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى، وَابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ، فَذَكَرُوا فِيهِ الرَّفْعَ فِي الرُّكُوعِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ التَّقَصِّي، وَقَالَ فِي التَّمْهِيدِ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْوَهْمَ فِي إسْقَاطِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ إنَّمَا وَقَعَ مِنْ جِهَةِ مَالِكٍ، فَإِنَّ جَمَاعَةً حُفَّاظًا رَوَوْا عَنْهُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. انتهى.
وَكَذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ: إنَّ مَالِكًا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُوَطَّإِ الرَّفْعَ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَذَكَرَهُ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّإِ، حَدَّثَ بِهِ عِشْرُونَ نَفَرًا مِنْ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ: مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَغَيْرُهُمْ، ثُمَّ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ عَنْ عِشْرِينَ رَجُلًا، قَالَ: وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ فَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ: وَلَيْسَ فِيهِ الرَّفْعُ فِي الرُّكُوعِ: مِنْهُمْ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَالْقَعْنَبِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْر، وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَإِسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاعْتَرَضَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، فَقَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا، ثُمَّ أُسْنَدَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُ مَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ خِلَافَ مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ، قُلْنَا: كَانَ هَذَا قَبْلَ ظُهُورِ النَّاسِخِ. انتهى.
وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ: وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ، ثُمَّ أُسْنَدَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ الرَّبِيعُ، وَلَيْثٌ، وَطَاوُسٌ، وَسَالِمٌ، وَنَافِعٌ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: رَأَيْنَا ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ،وَإِذَا رَفَعَ، وَكَانَ يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَدِيمًا عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا مَوْقُوفًا: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَا يَرْفَعُهُمَا بَعْدُ، وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَالْأَوَّلُ خَطَأٌ فَاحِشٌ لِمُخَالَفَتِهِ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ الْحَاكِمُ: كَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ، ثُمَّ اخْتَلَطَ حِينَ نَسِيَ حِفْظَهُ، فَرَوَى مَا خُولِفَ فِيهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ دَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ؟ أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ تَرَكَ مَرَّةً لِلْجَوَازِ، إذْ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ، فَفِعْلُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَتَرْكُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَيُزِيلُ هَذَا التَّوَهُّمَ يَعْنِي دَعْوَى النَّسْخِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ جِهَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَانَ الرَّقِّيِّ ثَنَا عِصْمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ صَلَاتُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى» انْتَهَى.
رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرَيْشِ بْنِ خُزَيْمَةَ الْهَرَوِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الدَّمْجِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بِهِ.
(حَدِيثٌ آخَرُ): أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، فَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ يُحَاذِي بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، وَفِيهِ: ثُمَّ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ»، الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ: فَقَالُوا جَمِيعًا: صَدَقْت، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
وَاعْتَرَضَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَسْمَعْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَلَا مِنْ أَحَدٍ ذُكِرَ مَعَ أَبِي حُمَيْدٍ، وَبَيْنَهُمَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ حَضَرَ أَبَا قَتَادَةَ، وَسِنُّهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَبَا قَتَادَةَ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، لِأَنَّهُ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيٌّ، وَقَدْ رَوَاهُ عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَعَلَ بَيْنَهُمَا رَجُلًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ يَحْيَى، وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّهُ وَجَدَ عَشْرَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسُوا، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي عَاصِمٍ، سَوَاءٌ، قَالَ: فَإِنْ ذَكَرُوا ضَعْفَ عَطَّافٍ، قِيلَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ أَيْضًا تُضَعِّفُونَ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جَعْفَرٍ أَكْثَر مِنْ تَضْعِيفِكُمْ لِعَطَّافٍ، مَعَ أَنَّكُمْ لَا تَطْرَحُونَ حَدِيثَ عَطَّافٍ كُلَّهُ، وَإِنَّمَا تُصَحِّحُونَ قَدِيمَهُ وَتَتْرُكُونَ حَدِيثَهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَعِينٍ فِي كِتَابِهِ، وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ سَمَاعُهُ مِنْ عَطَّافٍ قَدِيمٌ جِدًّا.
وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ هَذَا الْحَدِيثَ سَمَاعًا لِمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ أَبِي حُمَيْدٍ، إلَّا عَبْدَ الْحَمِيدِ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ أَضْعَفُ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَحَدُ بَنِي مَالِكٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سُهَيْلٍ السَّاعِدِيِّ، وَكَانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُو سُهَيْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَأَبُو حُمَيْدٍ،وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو أَسِيد، فَتَذَاكَرُوا الصَّلَاةَ، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ، وَلَيْسَ فِيهِ: فَقَالُوا: صَدَقْتَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ فِيهِ: فَقَالُوا جَمِيعًا: صَدَقْتَ، لَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُهَا إلَّا أَبُو عَاصِمٍ. انتهى.
وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ، فَقَالَ: أَمَّا تَضْعِيفُهُ لِعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ فَمَرْدُودٌ، بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَثَّقَهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ، فَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ حَكَمَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ بِأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حُمَيْدٍ، وَأَبَا قَتَادَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَقَوْلُهُ: إنَّ أَبَا قَتَادَةَ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ، رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، رَوَاهَا الشَّعْبِيُّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ التَّارِيخِ أَنَّهُ بَقِيَ إلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ، وَنَقَلَهُ عَنْ التِّرْمِذِيِّ، وَالْوَاقِدِيِّ، وَاللَّيْثِ وَابْنِ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ، وَأَطَالَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِرِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، وَمَنْ سَمَّاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَكَّدَهُ بِرِوَايَةِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْهُمْ، فَالْإِعْرَاضُ عَنْ هَذَا وَالِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ مَنْ يُرِيدُ مُتَابَعَةَ السُّنَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ أَنَّهُ رَأَى «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَحِينَ رَكَعَ، وَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ»، أَخْرَجَهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: وَحَدِيثُ وَائِلٍ هَذَا مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ».
وَابْنُ مَسْعُودٍ أَقْدَمُ صُحْبَةً، وَأَفْهَمُ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَائِلٍ، ثُمَّ أُسْنَدَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَحْفَظُوا عَنْهُ»، وَابْنُ مَسْعُودٍ كَانَ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَقْرُبُونَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْلَمُوا أَفْعَالَهُ كَيْفَ هِيَ؟، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا جَاءَ بِهِ مَنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ فِي الصَّلَاة. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ، وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَأَيْت عَنْ عِلَلِ الْخَلَّالِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا، فَقَالَ: صَحِيحٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَوْلُهُ فِيهِ: وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ، انْتَهَى.
وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقَعَ فِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد: السَّجْدَتَيْنِ، وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: الرَّكْعَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ الرَّكْعَتَانِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، وَغَلِطَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِهِ: الْمُرَادُ السَّجْدَتَانِ، لِكَوْنِهِ لَمْ يَقِفْ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ، انْتَهَى.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ خِلَافُ هَذَا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ ثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَرْفَعُ بَعْدَهُ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ لِيَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَتْرُكُهُ، إلَّا وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُهُ، قَالَ: وَيُضَعِّفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَيْضًا أَنَّهُ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَلَيْسَ فِيهِ الرَّفْعُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْأَعْرَجِ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الرَّفْعَ. انتهى.
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُ، قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، إذْ لَا يُظَنُّ بِعَلِيٍّ أَنَّهُ يَخْتَارُ فِعْلَهُ عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَدْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُ جَعَلَ رِوَايَةَ الرَّفْعِ مَعَ حُسْنِ الظَّنِّ بِعَلِيٍّ فِي تَرْكِ الْمُخَالَفَةِ، دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَخَصْمُهُ يَعْكِسُ الْأَمْرَ، وَيَجْعَلُ فِعْلَ عَلِيٍّ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي هُبَيْرَةَ عَنْ مَيْمُونٍ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَصَلَّى بِهِمْ يُشِيرُ بِكَفَّيْهِ حِينَ يَقُومُ، وَحِينَ يَرْفَعُ، وَحِينَ يَسْجُدُ، وَحِينَ يَنْهَضُ لِلْقِيَامِ، فَيَقُومُ، فَيُشِيرُ بِيَدَيْهِ، فَانْطَلَقْتُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: إنِّي رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي صَلَاةً لَمْ أَرَ أَحَدًا يُصَلِّيهَا، وَوَصَفْتُ لَهُ هَذِهِ الْإِشَارَةَ، فَقَالَ: إنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَدِ بِصَلَاةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. انْتَهَى.
وابْنُ لَهِيعَةَ مَعْرُوفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ ثَنَا حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِذَا رَكَعَ» انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَيَّاضٍ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ بِهِ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ» انْتَهَى.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهُمْ يُضَعِّفُونَ هَذَا، وَيَقُولُونَ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَالْحُفَّاظُ يُوقِفُونَهُ عَلَى أَنَسٍ انْتَهَى حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، وَحِينَ يَرْكَعُ، وَحِينَ يَسْجُدُ» انْتَهَى.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَقَدْ تَابَعَ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ عَلَى هَذَا الْمَتْنِ عُثْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْجُذَامِيَّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ، وَكَذَلِكَ تَابَعَهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ أَيْضًا، لَكِنْ ضَعَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْأَوَّلَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الثَّانِيَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَدْ خَالَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَرَوَاهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ دُونَ الرَّفْعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا سَجَدَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: إنِّي أَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، إنَّمَا هُوَ كَانَ يُكَبِّرُ فَقَطْ، لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ. انتهى.
وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْعِلَلِ أَخْرَجَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَيَقُولُ: أَنَا أَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُتَابَعْ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ عَلَى ذَلِكَ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ، وَلَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. انتهى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الْأَثْرَمَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ بِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ. انتهى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ»، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِهِ وَفِيهِ: إذَا رَكَعَ، قَالَ: هَكَذَا، رَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ، وَتَابَعَهُ زِيَادُ بْنُ سُوقَةَ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رُوَاتُهُ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: هَلْ أُرِيكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ لِلرُّكُوعِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا، وَلَا تَرْفَعْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. انتهى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ الرَّازِيّ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ حَمَّادٍ بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مَرْفُوعَتَانِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَوَقَفَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: هَلُمُّوا أُرِيكُمْ، فَكَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَاصْنَعُوا، وَلَمْ يَرْفَعْ فِي السُّجُودِ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَاكِمِ بِسَنَدِهِ عَنْ آدَمَ بْنِ أَبِي إيَاسٍ ثَنَا شُعْبَةُ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ طَاوُسًا كَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ، وَعِنْدَ رُكُوعِهِ، وَعِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَسَأَلْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: إنَّهُ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الْحَاكِمُ: الْحَدِيثَانِ مَحْفُوظَانِ أَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّفْعِ وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ، فَفِي عِلَلِ الْخَلَّالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَثْرَمَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ طَاوُسًا، يَقُولُ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ يَقُولُ هَذَا عَنْ شُعْبَةَ؟ قُلْتُ: آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، إنَّمَا هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ، وَعَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ شُعْبَةَ، وَهُمَا وَهَمَا فِيهِ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّيْخُ: وَأَيْضًا فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرْجِعُ إلَى مَجْهُولٍ، وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَ الْحَكَمَ مِنْ أَصْحَابِ طَاوُسٍ، فَإِنْ كَانَ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِلًا عَنْ عُمَرَ، وَإِلَّا فَالْمَجْهُولُ لَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِي عِيسَى سُلَيْمَانَ بْنِ كَيْسَانَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: أَقْبِلُوا عَلَيَّ بِوُجُوهِكُمْ، أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي وَيَأْمُرُ بِهَا، فَقَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى حَاذَى بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ رَكَعَ، وَكَذَلِكَ حِينَ رَفَعَ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا. انتهى.
قَالَ الشَّيْخُ: وَرِجَالُ إسْنَادِهِ مَعْرُوفُونَ، فَسُلَيْمَانُ بْنُ كَيْسَانَ أَبُو عِيسَى التَّمِيمِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَسَمَّى جَمَاعَةً رَوَى عَنْهُمْ، وَجَمَاعَةً رَوَوْا عَنْهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْ حَالِهِ بِشَيْءٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْقَاسِمِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ذَكَرَهُ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ،وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْ حَالِهِ أَيْضًا بِشَيْءٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى حَدِيثُ الرَّفْعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، وَأَبُو أَسِيد السَّاعِدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً الْبَدْرِيُّ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٌ، وَمَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ انْتَهَى.
يَعْنِي أَنَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ الْبَلْخِيّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَكَذَا قَالَ: عَنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ: وَكَانَ مُرَادُهُ لَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ عَنْ مَالِكٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.
الْآثَارُ فِي ذَلِكَ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ: حَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الصَّلَاةِ. انتهى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادِهِ إلَى الْأَثْرَمِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَغُنْدَرٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الصَّلَاةِ إذَا رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعُوا، كَأَنَّهَا الْمَرَاوِحُ. انتهى.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَسَنُ أَحَدًا، وَلَا ثَبَتَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ، رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْر عَنْ مَالِكٍ، وَفِيهِ: وَإِذَا رَكَعَ، انْتَهَى.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: مَا رَأَيْت أَحْسَنَ صَلَاةٍ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، رَأَيْته يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَأَخَذَ ابْنُ جُرَيْجٍ صَلَاتَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَخَذَ عَطَاءٌ صَلَاتَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ صَلَاتَهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. انتهى.
وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ نَحْوَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقَالَ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعُوا مِنْ الرُّكُوعِ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَفِيهِ مَنْ يُسْتَضْعَفُ.
أَثَرٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ عُمَرَ، وَأَبَا سَعِيدٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إذَا افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعُوا مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَيْثٌ مُسْتَضْعَفٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ، قَالَ: وَرَوَيْنَاهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَفُقَهَاءِ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالشَّامِ، وَالْبَصْرَةِ، وَالْيَمَنِ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ: مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَطَاوُسٌ، وَمَكْحُولٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، وَنَافِعٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا، وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ فِيمَا يُعْرَفُ، وَلَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: صَلَّيْتُ يَوْمًا إلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ، فَقَالَ لِي: أَمَا خَشِيتُ أَنْ تَطِيرَ؟، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى، لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ، قَالَ وَكِيعٌ: رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، كَانَ حَاضِرَ الْجَوَابِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَيْنَا الرَّفْعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، وَأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةً، وَأَبُو أَسِيد، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، يُحْتَجُّ بِهَا، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظَ يَقُولُ: لَا نَعْلَمُ سُنَّةً اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، ثُمَّ الْعَشَرَةُ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ، غَيْرَ هَذِهِ السُّنَّةِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَجَزْمُ الْحَاكِمِ بِرِوَايَةِ الْعَشَرَةِ لَيْسَ عِنْدِي بِجَيِّدٍ، فَإِنَّ الْجَزْمَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْثُ يَثْبُتُ الْحَدِيثُ وَيَصِحُّ، وَلَعَلَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ جُمْلَةِ الْعَشَرَةِ. انتهى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فَقَدْ رَوَى هَذِهِ السُّنَّةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ وَسَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَزِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَبُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. انتهى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَسْمَاءً أَتَوَقَّفُ فِي حِكَايَتِهَا إلَى الْكَشْفِ مِنْ نُسْخَةٍ أُخْرَى: مِنْهُمْ أَبُو أُمَامَةَ، وَعُمَيْرُ بْنُ قَتَادَةَ اللَّيْثِيُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَمِنْ النِّسَاءِ: عَائِشَةُ، وَرُوِيَ عَنْ أَعْرَابِيٍّ آخَرَ صَحَابِيٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
(وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا، وَنَصَبَ الْيُمْنَى نَصْبًا، وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) هَكَذَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الصَّلَاةِ.
(وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ وَتَشَهَّدَ) يُرْوَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَوْجِيهَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ (فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ جَلَسَتْ عَلَى أَلْيَتِهَا الْيُسْرَى وَأَخْرَجَتْ رِجْلَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ: «وَصَفَتْ قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَجَلَسَ عَلَيْهَا، وَنَصَبَ الْيُمْنَى نَصْبًا، وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَفِي مُسْلِمٍ بَعْضُهُ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ: التَّحِيَّةُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقَبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبْعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ» انْتَهَى.
وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ الْقَدَمَ الْيُمْنَى، وَاسْتِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ، وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى. انتهى.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ: إنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَك الْيُمْنَى، وَتُثْنِيَ الْيُسْرَى، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِالْأَصَابِعِ، وَفِيهِ قِصَّةٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ.
قُلْت: لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَلَسَ (يَعْنِي لِلتَّشَهُّدِ) افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ (يَعْنِي فِي التَّشَهُّدِ) وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ، وَتَشَهَّدَ، يُرْوَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلٍ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي مُسْلِمٍ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، إلَّا أَنَّ فِيهِ: أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى.
(وَالتَّشَهُّدُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ إلَى آخِرِهِ) وَهَذَا تَشَهُّدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِيَدِي، وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَالَ قُلْ: التَّحِيَّاتُ، إلَى آخِرِهِ».
وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا إلَى آخِرِهِ، لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ، وَأَقَلُّهُ الِاسْتِحْبَابُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ وَهُمَا لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَزِيَادَةُ الْوَاوِ وَهِيَ لِتَجْدِيدِ الْكَلَامِ كَمَا فِي الْقَسَمِ وَتَأْكِيدِ التَّعْلِيمِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ، كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَالَ: قُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ»، إلَى آخِرِهِ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْهُ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ، قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا،وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، انْتَهَى.
زَادُوا فِي رِوَايَةٍ إلَّا التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ: ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ، فَيَدْعُو بِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَصَحُّ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. انتهى.
ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ خَصِيفٍ، قَالَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي التَّشَهُّدِ، فَقَالَ: عَلَيْك بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ»، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ فِي التَّشَهُّدِ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَوَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا التَّشَهُّدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: فَمِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ، أَخْرَجَهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ»، إلَى آخِرِهِ، سَوَاءٌ.
وَمِنْهُمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ أَيْضًا أَخْرَجَاهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ الْأَزْدِيِّ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ عَنْ التَّشَهُّدِ، فَقَالَ: أُعَلِّمُكُمْ كَمَا عَلَّمَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ» إلَى آخِرِهِ، سَوَاءٌ.
وَمِنْهُمْ عَائِشَةُ، وَحَدِيثُهَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْهَا، قَالَتْ: هَذَا تَشَهُّدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» إلَى آخِرِهِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: سَنَدُهُ جَيِّدٌ فِيهِ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ، وَهِيَ: أَنَّ تَشَهُّدَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِلَفْظِ: تَشَهُّدِنَا. انتهى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، فَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى، لِأَنَّ فِيهِ الْأَمْرَ، وَأَقَلُّهُ الِاسْتِحْبَابُ، وَالْأَلِفُ، وَاللَّامُ» وَهُمَا لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَزِيَادَةُ الْوَاوِ وَهِيَ لِتَجْرِيدِ الْكَلَامِ، كَمَا فِي الْقَسَمِ، وَتَأْكِيدِ التَّعْلِيمِ، انْتَهَى.
فَنَقُولُ: أَمَّا الْأَمْرُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَقُلْ فَلَيْسَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَلْفَاظِهِمْ الْجَمِيعِ، وَهِيَ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ: إذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَقُولُوا، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: قُولُوا فِي كُلِّ جِلْسَةٍ، وَأَمَّا الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَإِنَّ مُسْلِمًا، وَأَبَا دَاوُد، وَابْنَ مَاجَهْ لَمْ يَذْكُرُوا تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ، وَاللَّامِ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مُجَرَّدًا سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، سَلَامٌ عَلَيْنَا، الْحَدِيثَ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا الْوَاوُ فَلَيْسَتْ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَأَمَّا التَّعْلِيمُ فَهُوَ أَيْضًا فِي تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عِنْدَ الْجَمِيعِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، هَكَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَفِي لَفْظِ الْبَاقِينَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ.
وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ، يَنْهَضُ لَهُ مِنْهَا اثْنَانِ: الْأَمْرُ، وَزِيَادَةُ الْوَاوِ، وَسَكَتَ عَنْ تَرَاجِيحَ أُخَرَ: مِنْهَا أَنَّ الْأَئِمَّةَ السِّتَّةَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَذَلِكَ نَادِرٌ، وَتَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْدُودٌ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ، وَأَعْلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْحُفَّاظِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَلَوْ فِي أَصْلِهِ، فَكَيْفَ إذَا اتَّفَقَا عَلَى لَفْظِهِ، وَمِنْهَا إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ، عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ، وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ، كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ، فَدَلَّ عَلَى مَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ، وَالِاهْتِمَامِ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْأَحَادِيثُ فِي التَّشَهُّدِ:
مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ: إذَا صَلَّيْتُمْ، فَكَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ، فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ: التَّحِيَّاتُ، الطَّيِّبَاتُ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، وَطَوَّلَهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ َابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ نَابِلٍ ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ بِسْمِ اللَّهِ، وَبِاَللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَهُوَ مَرْدُودٌ، فَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ، هُمْ أَجَلُّ مِنْ الْحَاكِمِ، وَأَتْقَنُ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ خَطَأٌ، انْتَهَى.
وَمِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي: «أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ، يَقُولُ: قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» انْتَهَى.
وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ فِي إخْفَاءِ التَّشَهُّدِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفِيَ التَّشَهُّدَ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ.
(وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا، فَإِذَا كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَإِذَا كَانَ آخِرَ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ».
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَآخِرِهَا، فَإِذَا كَانَ وَسَطُ الصَّلَاةِ نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ».
قُلْتُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ، فَكَانَ يَقُولُ: إذَا جَلَسَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَفِي آخِرِهَا، عَلَى وَرِكِهِ الْيُسْرَى: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى قَوْلِهِ: عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، قَالَ: ثُمَّ إنْ كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، نَهَضَ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ تَشَهُّدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهَا دَعَا بَعْدَ تَشَهُّدِهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» انْتَهَى.
زَادَ النَّسَائِيّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ. انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ.
(وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ «النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ، هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِيك مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: رَوَى أَبُو قَتَادَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانَا، وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ، إلَّا التِّرْمِذِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ، رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا مِنْدَلٌ الْعَنَزِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الْوَسَطِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا عَوْنُ بْنُ سَلَامٍ ثَنَا سِنَانُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» انْتَهَى.
(وَجَلَسَ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَلِأَنَّهَا أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّوَرُّكِ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَعَدَ مُتَوَرِّكًا ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ (وَتَشَهَّدَ) وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ وَائِلٍ، وَعَائِشَةَ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، وَأَخَذَ بَعْضُ الْجَاهِلِينَ يَعْتَرِضُ هُنَا عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا سَهْوٌ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، إلَّا عَنْ عَائِشَةَ، وَهَذَا إقْدَامٌ مِنْهُ عَلَى تَخْطِئَةِ الْعُلَمَاءِ بِجَهْلٍ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ هُنَاكَ ذَكَرَ فِي الْجُلُوسِ أَشْيَاءَ، وَعَزَا بَعْضَهَا عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضَهَا عَنْ وَائِلٍ، وَجَمَعَهَا هُنَا بِقَوْلِهِ: وَجَلَسَ فِي الْأَخِيرَةِ، كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى، لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ، وَعَائِشَةَ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ، وَهُوَ: نَصْبُ الْيُمْنَى، وَافْتِرَاشُ الْيُسْرَى، وَهَذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَّا عَنْ عَائِشَةَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ: وَلِأَنَّهَا أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ مِنْ التَّوَرُّكِ، قُلْنَا: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى، عُمُومَ الْحَالَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا، ثُمَّ خَصَّصَ فِي التَّعْلِيلِ مِنْهَا هَيْئَةَ الْجُلُوسِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَعَدَ مُتَوَرِّكًا».
قُلْت: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ: «كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا، ثُمَّ سَلَّمَ»، مُخْتَصَرٌ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَنَصَبَ الْأُخْرَى، وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ: وَالْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ.
قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ تَضْعِيفُ الطَّحَاوِيِّ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَكَلَامُ الْبَيْهَقِيّ مَعَهُ، وَانْتِصَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ لِلطَّحَاوِيِّ مُسْتَوْفًى، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
(وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) وَهُوَ لَيْسَ بِفَرِيضَةٍ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِمَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك: إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ إمَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، أَوْ كُلَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، فَكُفِينَا مُؤْنَةَ الْأَمْرِ، وَالْفَرْضُ الْمَرْوِيُّ فِي التَّشَهُّدِ هُوَ التَّقْدِيرُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ: «إذَا قُلْتَ هَذَا، أَوْ فَعَلْتَ هَذَا».
قُلْت: احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ فَرِيضَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَأَنَّ أَبَا دَاوُد أَخْرَجَهُ فِي سُنَنِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ، هَلْ هِيَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُدْرِجَتْ فِي الْحَدِيثِ؟ فَإِنْ صَحَّ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. انتهى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ بَيَّنَهُ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَفَصَلَ كَلَامَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنُ ثَوْبَانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، مِنْ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ، بِلَفْظِ السُّنَنِ: وَقَدْ أَوْهَمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ الصِّنَاعَةَ، أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: «إذَا قُلْتُ» هَذِهِ زِيَادَةٌ أَدْرَجَهَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الْخَبَرِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ، وَقَالَ: ذَكَرَ ابْنُ ثَوْبَانَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ زُهَيْرًا أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ ثَوْبَانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ بِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذَا فَقَدْ فَرَغْتَ مِنْ صَلَاتِك، فَإِنْ شِئْتَ فَاثْبُتْ، وَإِنْ شِئْتَ فَانْصَرِفْ.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُرِّ بِهِ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ الْحَسَنُ: وَزَادَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: فَإِذَا قُلْتَ هَذَا، فَإِنْ شِئْتَ فَقُمْ، قَالَ: وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ ضَعِيفٌ، قَدْ تَبَرَّأْنَا مِنْ عُهْدَتِهِ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ. انتهى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ هَكَذَا: أَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ عَنْ زُهَيْرٍ، وَوَصَلَهُ بِكَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَصَلَهُ شَبَابَةُ عَنْ زُهَيْرٍ، فَجَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، فَإِنَّ ابْنَ ثَوْبَانَ رَوَاهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ كَذَلِكَ، وَجَعَلَ آخِرَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلِاتِّفَاقِ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ، وَابْنِ عَجْلَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ فِي رِوَايَتِهِمْ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَلَى تَرْكِ ذِكْرِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، مَعَ اتِّفَاقِ كُلِّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ سَاقَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ، وَفِي آخِرِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذَا فَرَغْت مِنْ هَذَا، إلَى آخِرِهِ.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ:
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِمْ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ أَبِي هَانِئٍ حُمَيْدٍ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَال «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ، لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِّلْ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدَ الثَّنَاءِ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. انتهى.
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى وُجُوبِهِ أَيْضًا، أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا السَّلَامُ عَلَيْك، فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا؟ قَالَ: فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَحْبَبْنَا أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ: إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ بِذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ، انْتَهَى.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَوْلُهُ: إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا، زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ صَدُوقٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، فَزَالَ مَا يُخَافُ مِنْ تَدْلِيسِهِ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُحِبَّ الْأَنْصَارَ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ. انتهى.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ، سَوَاءٌ، وَحَدِيثُ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً تَكَلَّمُوا فِي أُبَيِّ بْنِ عَبَّاسٍ: مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَالْعُقَيْلِيُّ، وَالدُّولَابِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِيهَا وَلَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَوَقَفَهُ تَارَةً، وَرَفَعَهُ أُخْرَى، وَقَالَ فِي الْعِلَلِ: وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ: وَالِاخْتِلَافُ مِنْ الْجُعْفِيِّ، وَلَيْسَ بِثِقَةٍ. انتهى.
وَقَالَ فِي السُّنَنِ: جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَرَفَعَهُ مَرَّةً، وَوَقَفَهُ أُخْرَى، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، مِنْ قَوْلِهِ: مَا صَلَّيْت صَلَاةً لَا أُصَلِّي فِيهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، إلَّا ظَنَنْت أَنَّ صَلَاتِي لَمْ تَتِمَّ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَآلَ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْت، وَبَارَكْت، وَتَرَحَّمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُهْمَلٌ. انتهى.
وَهَذَا فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَا، وَقَدْ شَذَّ الشَّافِعِيُّ، فَقَالَ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا سُنَّةَ يَتَّبِعُهَا، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ وَشَنَّعُوا عَلَيْهِ: مِنْهُمْ الطَّبَرِيُّ، وَالْقُشَيْرِيُّ، وَخَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ الْخَطَّابِيُّ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهَا قُدْوَةً، وَقَدْ شَنَّعَ النَّاسُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ جِدًّا، فَهَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ، لَيْسَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَنَحْوِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ، وَعَلَّمَهُ أَيْضًا عَلَى الْمِنْبَرِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَمَّا مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»، فَحَدِيثٌ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: مَعْنَاهُ كَامِلَةً، أَوْ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ مَرَّةً فِي عُمْرِهِ، وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِيهَا، وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ» انْتَهَى.
وَرَأَيْت فِي بَعْضِ تَصَانِيفِ الْحَنَابِلَةِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا، وَقَالَ: بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ: ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو مَسْعُودٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ: أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ. انْتَهَى.
وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ.
قَالَ (وَدَعَا بِمَا شَاءَ مِمَّا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالْأَدْعِيَةَ الْمَأْثُورَةَ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وَأَعْجَبَهُ إلَيْك» وَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ (وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ) تَحَرُّزًا عَنْ الْفَسَادِ، وَلِهَذَا يَأْتِي بِالْمَأْثُورِ الْمَحْفُوظِ، وَمَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ كَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ» يُشْبِهُ كَلَامَهُمْ، وَمَا يَسْتَحِيلُ كَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي» مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ، هُوَ الصَّحِيحُ، لِاسْتِعْمَالِهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ، يُقَالُ: رَزَقَ الْأَمِيرُ الْجَيْشَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وَأَعْجَبَهُ إلَيْك».
قُلْت: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَآخِرِهَا، فَإِذَا كَانَ وَسَطَ الصَّلَاةِ، نَهَضَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَإِذَا كَانَ آخِرَ الصَّلَاةِ دَعَا لِنَفْسِهِ بِمَا شَاءَ»، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ لِيَخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ، فَيَدْعُو بِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ لِلْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَخُصُوصًا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرَ بَعْدُ مِنْ الْكَلَامِ مَا شَاءَ، ذَكَرَهُ فِي الدَّعَوَاتِ، وَفِي الِاسْتِئْذَانِ، ثُمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثُمَّ اخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ، إلَى آخِرِهِ، إنْ كَانَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَكُونُ أَرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا مَقْطُوعًا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَيَكُونُ أَرَادَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَوْلَهُ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ»، إلَى آخِرِهِ، وَأَرَادَ بِالْآخَرِ حَدِيثَ التَّشَهُّدِ، وَهَذَا يَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ، بَلْ الْحَدِيثَانِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَةِ الدُّعَاءِ بِكَلَامِ النَّاسِ، نَحْوَ: اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي امْرَأَةً حَسْنَاءَ، وَأَعْطِنِي بُسْتَانًا أَنِيقًا، وَلَكِنْ الْمَانِعُونَ يَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِحَدِيثِ: إنَّ صَلَاتَنَا لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، لَكَانَ أَصْوَبَ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ النُّسَخِ قِيلَ: قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، إلَى آخِرِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا يَصِحُّ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَبِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا اسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ لِمَذْهَبِهِ، وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّلَاةِ عَنْهُ، قَالَ: «كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَارَةَ، وَهُوَ مَعْصُوبُ الرَّأْسِ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي قَدْ نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ، فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ، فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» انْتَهَى.
وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَيْضًا «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا، فَسَأَلَ، وَلَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا، فَتَعَوَّذَ» انْتَهَى.
وَعَزَاهُ لِمُسْلِمٍ، وَيُنْظَرُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ نَسْخَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، وَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ، وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا كَلَامٌ بَارِدٌ، فَإِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّمَا صَدَرَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ، وَنُزُولُ {سَبِّحْ} قَبْلَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطَّوِيلُ فِي الْهِجْرَةِ، وَفِيهِ: فَمَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى حَفِظْت {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} فِي سُوَرٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ فِي قِصَّةِ مَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ حِينَ افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ، وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِـ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَ {هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}».
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ نَحْوُهُ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَطَوِّعِ، حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ، فَجَعَلَ نُزُولَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} هُنَاكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَهُنَا جَعَلَهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَدْ ادَّعَى نَسْخَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا نَزَلَ قَبْلَهُ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، هَذَا شَأْنُ مَنْ يُسَوِّي الْأَحَادِيثَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَالْمَشْهُورُ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ سُورَةَ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَسُورَةَ: الْوَاقِعَةِ وَالْحَاقَّةِ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ} نَزَلْنَ بِمَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: وَالْفَرْضُ الْمَرْوِيُّ فِي التَّشَهُّدِ، هُوَ التَّقْدِيرُ.
قُلْت: رَوَى النَّسَائِيّ فِي بَابِ إيجَابِ التَّشَهُّدِ مِنْ سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَمَنْصُورُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» انْتَهَى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ بِلَفْظِ: يُفْرَضُ إلَّا النَّسَائِيّ، فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: كُنَّا إذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: كُنَّا إذَا جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ، وَرِوَايَةٌ لِلنِّسَائِيِّ: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، الْحَدِيثَ، وَبِلَفْظِ النَّسَائِيّ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا، وَقَالَا: إسْنَادُهَا صَحِيحٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ فَرْضٌ. انتهى.
(ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» (وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَلَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا وَلَا مَنْ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ، هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْخِطَابَ حَظُّ الْحَاضِرِينَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَمْسُونَ: رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، وَاللَّفْظُ لِلنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَأَبِي الْأَحْوَصِ، قَالُوا ثَلَاثَتُهُمْ: ثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا اللَّفْظُ أَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ»، وَهُوَ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ، إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ: حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَمْ أَنْسَ تَسْلِيمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ»، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ خَدَّيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّى عَلِقَهَا؟ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «كُنْت أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ الْفَضْلِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَإِذَا سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ، يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ، وَكَانَ تَسْلِيمُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ» انْتَهَى.
وَفَضَالَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ بِهِ، وَمَا وَجَدْت ابْنَ عَسَاكِرَ ذَكَرَهُ فِي الْأَطْرَافِ، لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ حُذَيْفَةَ، وَوَجَدْت صَاحِبَ التَّنْقِيحِ عَزَاهُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، عِوَضٌ: حُذَيْفَةُ، عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَهُوَ وَهْمٌ.
انْتَهَى.
وَهَذَا الدَّارَقُطْنِيُّ ذَكَرَهُ عَنْ عَمَّارٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَنِي هَوْذَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ، وَبَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ» انْتَهَى.
أَحَادِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ: فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كُنَّا نَقُولُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، يُشِيرُ أَحَدُنَا بِيَدِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُ الَّذِينَ يُومِئُونَ بِأَيْدِيهِمْ فِي الصَّلَاةِ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ عَنْ يَمِينِهِ، وَشِمَالِهِ» انْتَهَى.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، قَالَ: «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: «صَلَّى بِنَا عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ صَلَاةً ذَكَّرَتْنَا صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَسِينَاهَا، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ تَرَكْنَاهَا، فَسَلَّمَ عَلَى يَمِينِهِ وَعَلَى شِمَالِهِ» انْتَهَى.
وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سَنِّهِ عَنْ حُرَيْثِ بْنِ أَبِي مَطَرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ» انْتَهَى.
وَحُرَيْثٌ تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالْفَلَّاسُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَتَرَكَهُ النَّسَائِيّ، وَالْأَزْدِيُّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، وَعَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ» انْتَهَى.
أَحَادِيثُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ: أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ، لَكِنَّ لَهُ مَنَاكِيرَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْهَا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ: وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً، لَكِنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يُضَعِّفُهُ، قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَالْحَدِيثُ أَصْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى عَائِشَةَ، هَكَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ. انتهى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: لَمْ يَرْفَعْهُ إلَّا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، كَثِيرُ الْخَطَأِ، لَا يُحْتَجُّ بِهِ. انتهى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَلَا يَقْبَلُ تَصْحِيحَ الْحَاكِمِ لَهُ، وَلَيْسَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ شَيْءٌ ثَابِتٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: رَأَيْت «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فَسَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً» انْتَهَى.
وَيَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمَّادٍ ثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ حَدَّثَنِي أَبِي.
وَحَفْصٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً قِبَلَ وَجْهِهِ»، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ ابْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: وَعَطَاءٌ ضَعِيفٌ قَدَرِيٌّ، وَفِيهِ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ.
قَوْلُهُ: وَلَا يَنْوِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ، فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ.
قُلْت: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ، وَقَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ، فَإِذَا مَاتَ، قَالَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ وُكِّلَا بِهِ: قَدْ مَاتَ، أَفَتَأْذَنُ أَنْ نَصْعَدَ إلَى السَّمَاءِ؟، فَيَقُولُ اللَّهُ: سَمَائِي مَمْلُوءَةٌ بِهَا مَلَائِكَتِي، يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: أَفَنُقِيمُ فِي الْأَرْضِ؟ فَيَقُولُ: أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي، يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: فَأَيْنَ؟ فَيَقُولُ: قُومَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي، فَاحْمَدَانِي وَسَبِّحَانِي وَكَبِّرَانِي وَهَلِّلَانِي، وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي، حَتَّى أَبْعَثَهُ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ فِي بَابِ الْحَيَاءِ، وَهُوَ الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ، عَنْ عُبَادَةَ الْبَصْرِيِّ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَسْتَحْيِي أَحَدُكُمْ مِنْ مَلَكَيْهِ اللَّذَيْنِ مَعَهُ، كَمَا يَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ صَالِحِي جِيرَانِهِ، وَهُمَا مَعَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ، ثُمَّ أُخْرِجَ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ التَّعَرِّي؟ إنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ فِي نَوْمٍ وَلَا يَقِظَةٍ، إلَّا حِينَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، أَوْ حِينَ يَأْتِي خَلَاهُ، أَلَا فَاسْتَحْيُوهُمَا، أَلَا فَأَكْرِمُوهُمَا» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وُكِّلَ بِالْمُؤْمِنِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ مَلَكًا، يَذُبُّونَ عَنْهُ مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ: الْبَصَرُ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَمْلَاكٍ، يَذُبُّونَ عَنْهُ، كَمَا يَذُبُّ عَنْ قَصْعَةِ الْعَسَلِ الذُّبَابُ فِي الْيَوْمِ الصَّائِفِ، وَلَوْ وُكِّلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ}: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْقُشَيْرِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ كِنَانَةَ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: «دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْعَبْدِ، كَمْ مَعَهُ مَلَكٌ؟ فَقَالَ: عَلَى يَمِينِك مَلَكٌ عَلَى حَسَنَاتِك، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى الْمَلَكِ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ، فَإِذَا عَمِلْت حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرًا، وَإِذَا عَمِلْت سَيِّئَةً، قَالَ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ لِلَّذِي عَلَى الْيَمِينِ: أَكْتُبُ؟ فَيَقُولُ لَهُ: لَا، لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ، فَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا، قَالَ: نَعَمْ، اُكْتُبْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْهُ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ، مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ لِلَّهِ، وَأَقَلَّ اسْتِحْيَاءَهُ مِنَّا، يَقُولُ اللَّهُ: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، وَمَلَكَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْك وَمِنْ خَلْفِك يَقُولُ اللَّهُ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} وَمَلَكٌ قَابِضٌ عَلَى نَاصِيَتِك، فَإِذَا تَوَاضَعْت لِلَّهِ رَفَعَك، وَإِذَا تَجَبَّرْت عَلَى اللَّهِ قَصَمَك، وَمَلَكَانِ عَلَى شَفَتَيْك، لَيْسَ يَحْفَظَانِ عَلَيْك إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَمَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى فِيك، لَا يَدَعُ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَّةُ فِي فِيك، وَمَلَكَانِ عَلَى عَيْنَيْك، فَهَؤُلَاءِ عَشْرَةُ أَمْلَاكٍ عَلَى كُلِّ ابْنِ آدَمَ يَتَبَدَّلُونَ، مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ عَلَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، لِأَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ سِوَى مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، فَهَؤُلَاءِ عِشْرُونَ مَلَكًا، عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ، وَإِبْلِيسُ بِالنَّهَارِ، وَوَلَدُهُ بِاللَّيْلِ» انْتَهَى.
(وَلَا بُدَّ لِلْمُقْتَدِي مِنْ نِيَّةِ إمَامِهِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِمْ) وَإِنْ كَانَ بِحِذَائِهِ نَوَاهُ فِي الْأُولَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَرْجِيحًا لِلْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ نَوَاهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَالْمُنْفَرِدُ يَنْوِي الْحَفَظَةَ لَا غَيْرُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ سِوَاهُمْ (وَالْإِمَامُ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ) هُوَ الصَّحِيحُ، وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ، فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ، ثُمَّ إصَابَةُ لَفْظِ السَّلَامِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا، وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ.
خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، هُوَ يَتَمَسَّكُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَالتَّخْيِيرُ يُنَافِي الْفَرْضِيَّةَ وَالْوُجُوبَ إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْوُجُوبَ بِمَا رَوَاهُ احْتِيَاطًا وَبِمِثْلِهِ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: حَدِيثُ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ».
قُلْت: تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَالْمُصَنِّفُ هُنَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى فَرِيضَةِ السَّلَامِ، وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» كَانَ لَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» أَيْ لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِهِ.
وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، فَقَالَ: إنَّ الدُّخُولَ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَأْمُورِ بِهَا لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ حَيْثُ أَمَرَ بِهِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ مِنْهَا، فَقَدْ يَصِحُّ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ بِهِ، كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ لَمَّا نَهَى أَنْ يَعْقِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْغَيْرِ، حَتَّى لَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، وَأَمَرَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا إلَّا بِطَلَاقٍ لَا إثْمَ فِيهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ صَحَّ، وَلَزِمَهُ، مَعَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَيْثُ نَهَى عَنْهُ، قَالَ: وَهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ» رُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ غَيْرُ فَرْضٍ، ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ» انْتَهَى.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَهُ، تَتِمُّ بِدُونِ التَّسْلِيمِ، قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَذْهَبِنَا أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ فَرْضٍ، مَا أَخْبَرَنَا رَبِيعٌ الْجِيزِيُّ ثَنَا أَبُو زُرْعَةَ وَهْبُ اللَّهِ بْنُ رَاشِدٍ أَنْبَأَ حَيْوَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلَمْ يَدْرِ، أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، وَيَدَعْ الشَّكَّ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ نَقَصَتْ فَقَدْ أَتَمَّهَا، وَالسَّجْدَتَانِ يُرْغِمَانِ الشَّيْطَانَ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً، كَانَ مَا زَادَ، وَالسَّجْدَتَانِ لَهُ نَافِلَةٌ» انْتَهَى.
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ نَحْوَهُ، قَالَ: فَقَدْ جَعَلَ الرَّكْعَةَ الزَّائِدَةَ مَعَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ تَطَوُّعًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ الطَّحَاوِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَدْ يُسْتَأْنَسُ لِمَذْهَبِنَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ، قَالَ: «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ»، وَفِي لَفْظٍ: فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَانْتَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ سَلَّمَ انْتَهَى.
فَسَمَّاهُ قَضَاءً وَتَمَامًا، قَبْلَ السَّلَامِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «وَإِذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ»، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «إذَا قُلْت هَذَا، أَوْ فَعَلْت هَذَا، فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك»، تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.